14 سبتمبر 2025

تسجيل

امرأة الأرض الجافة

02 مايو 2011

هي ليست حائطاً ورقياً يلصق على جدران الحياة لتتزين به أو لتمتع به الآخرين، هي ليست آلة تستخدم للمعايشة والمسامرة، هي أكبر من الجزء الذي يقدمونه لها، وأكثر من النصف الذين يمنون به عليها، إنها المرأة، الأنثى ذات التكوين الخاص الذي جعل الله فيه سراً لا يدركه الكثير من البشر مهما توصلوا إلى نتائج وتفسيرات، هي الحاضن لاستمرار الحياة، هي المنبع الذي تخرج منه وعبره الإنسانية. في مدن الملح (شبه الجزيرة) كما سماها الروائي السعودي الرائع عبدالرحمن منيف تحظى المرأة بخصوصية مختلفة متفردة، أستطيع أن أسميها أنا واستعارة من منيف خصوصية مملحة مرتبطة بصفرة الرمال الصحراوية القاسية التي حددت الشكل العام لشبه الجزيرة، فكما الصحراء الجافة مرتبطة بأبناء الجزيرة هي الحياة المقيدة غالباً ما تكون مرتبطة بحياة الأنثى المنتمية لهذا الإقليم! إذ تخضع الأنثى إلى عادات وتقاليد ممنطقة بالثقافة البيئية التي رسمتها الظروف المتعاقبة التي حددت لها الطريق وخياراته. خلال سنوات تدرجت أوضاع المرأة من الضيق حتى الاستضياق المموه بالانفتاح، ولو استثنينا بعض الحالات التي تفردت فيها المرأة في بعض دول المنطقة وخرجت لتقول كلمتها ولتشارك بقوة في ركب الحياة والتطور، ولكن مع ذلك ما زالت النظرة السائدة للمرأة وأحقيتها في حرية الاختيار والحياة في بعض الدول وبعض البيئات فيها نظرة سلبية لم يغيرها الانفتاح ولم تغيرها ثقافته. ومع هذا خرجت المرأة وجابهت التحديات واستطاعت أن تطوع القيود لتناسبها فدخلت في مجالات تتناسب مع ظروفها، والبعض اقتحمن مجالات كانت صعبة ومحظورة وهؤلاء هن الطموحات اللائي يعرفن ماذا يردن وإلى أين يتوجهن ولديهن الثقة التامة في قدراتهن، والاقتناع بأحقيتهن في ممارسة الحياة بحرية، اللائي يدركن قيمة وجودهن ودورهن في المجتمع، وأنا هنا لا أقتصر من حق الأم المربية، فكل أنثى تملك من القدرات والعطاء ما يتوافق مع ما منحها إياه الله سبحانه، ولكن وفي ظل كل هذه العطاءات ليس مهماً أن يرضى الرجل بهذا الحق من المشاركة وممارسة الحياة، بل لابد من أن يقتنع بأحقيتها في اختيار مصيرها، وطريقة عيشها لواقعها ومستقبلها، الرضا وحده لا يكفي لأنه من الممكن أن يكون خارجاً عن القدرة أي إنها فرضت عليه ويقبل بها كعاملة ومبدعة وغيره، دون أن يؤمن بأنها تستحق ذلك، أنا شخصياً أعرف نساء ما زلن حتى الآن يعشن تحت رهاب نفسي وجسماني، محرومات بشدة وبدون منطق من اختيار حياتهن، ومن الحصول على حق التعليم والدراسة والزواج، وحتى استنشاق الهواء، مازلن يعشن تحت رغبات المجتمع الذكوري الذي يسلط سياطه بقسوة في حال فتحها لأي نافذة تطل على الحياة. الرجل هو الشريك الذي نحب والذي لا نستطيع التخلي عنه والعيش بدونه مهما كابرنا وادعينا عكس ذلك، ولكن هذا ليس معناه أنه وباسم هذا العشق الفطري أن تلغي ذكورته ووصياته حياة أية امرأة. كيف يقتنع الرجل بهذا الحق، هذا هو السؤال المهم؟ هل يكفي الفرض الوطني والدولي؟! بالطبع لا يكفي، أرى دائماً أنه على المرأة أن تؤمن بنفسها أولاً، وبحقها وطموحها وبدورها، ومن ثم عليها الدفاع والنضال وحتى الحديث عنه، أعرف أن ذلك ليس سهلاً كما نتحدث عند البعض من النساء، ولكن لو كل امرأة خضعت للقيود لما وجدنا المرأة اليوم الدكتورة والمهندسة والرسامة والنائبة والمحامية والممرضة وغيرهن! لذا على المرأة نفسها أن تزرع هذه البذرة في بيتها وبين أبنائها من الجنسين، وتعلمهم أن الحياة حق واحترام وتشارك، حالات الطلاق المتزايدة، والمشاكل الأسرية بين الأخ وأخته التي تصل في حالات كثيرة إلى الشرطة والمحاكم مريعة، تثبت أن هناك خللاً كبيراً في فهم هذه العلاقة، هناك جهل، جفاف، فجوة تجعل كل طرف عاجزاً عن فهم الآخر، وبالتالي عن تقدير حقوقه، إن إيمان الرجل بوجودها يلزمه تهيئة، تربية واعية، ممارسة فعلية على أساسها تبدأ العلاقة بين الجنسين من داخل الأسرة الواحدة. ما زال الرجل يخاف! وقد يكون هذا حقه فهو الحامي والولي والسند الذي يحب ويغار على أهله، وربما كلٌ بطريقته، ولكن هذا لا يمنح الحق في إلغاء الوجود لروح أخرى، وسرقة الحياة منها. أؤمن أن كل شيء من الممكن حدوثه متى ما كانت هناك رغبة حقيقية في صناعة حياة حية. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح.. الحياة حق، ومدن الملح أجمل بلدان الأرض، وأطهرها، وأجدرها بأن تحتضن هذا الكائن الضعيف، الذي يحتاج لأن يجد طريقه باختياره، وما أجمل أن يكون ذلك برعايتك أيها الرجل!!.