30 سبتمبر 2025

تسجيل

وداعاً المربية شيخة الملا

02 مارس 2022

بسيطة كعشاء الفقراء، مخلصة في عملها وعطائها، عظيمة الهمة نظيفة القلب واليد واللسان، المربية الفاضلة شيخة علي الملا، من أين أبدأ فيك رحلة كلامي، وأنت الكلام كلّ الكلام، أيّتها الأصيلة، المعلمة، التي قضت حياتها من التواضع إلى التواضع... من أين أبدأ وأنتِ مفردة بصيغة جمع، اندغمت فيك المتناقضات... جمعتِ الرقة والصلابة، العذوبة والجزالة، الشفافية والقوة، العناد والدماثة، فتلونت شخصيتك وتنوعت حياتك، تتنقل فيها من محطة إلى محطة بين مدارج ذات قوام واحد: الصبر والثبات، الصمود والتحدي، العزم والعزيمة، الإرادة والحق.. فكم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة. وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع. شيخة المربية الفاضلة نودعك أستاذتنا الفاضلة فتنحني قامتنا وكبرياؤنا احتراما وتقديرا لمقامك الرفيع. كنتِ واحدة من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، من ذلك الزمن الجميل البعيد، أستاذة الأساتذة، فقد فارقتِ الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي، تاركة سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسية، وميراثاً من القيم والمُثل النبيلة، إن العطاء في الحياة سر من أسرار الخلود، سر عرفتِ كيف تجعلينه نهجا ونمطا لحياتك، فمهما حاول الموت، لن يمحو ذكر من أعطى كل هذا العطاء، رحلتِ وتذكرك جدران المدارس التي عطرتيها بعلمك وصبرك وأمانتك في أداء رسالتك، وتذكرك مدرسة الفلاح التي أصبح اسمك مقروناً بها وبطلابها، عرفناكِ معلمة هادئة متسامحة، راضية، قنوعة، ملتزمة بإنسانيتك كالتزامك بدينك وواجباتك الدينية. حملتِ الأمانة بإخلاص، وأعطيت للحياة والناس جهدك وخبرتك وتجربتك وحبك للجميع، افتقد الناس وجها كم قابلهم ببشاشة وتبسما، وسكت صوتاً مميزاً كم أسمع الآذان عذبا بحلو الكلام والمعاني، فهي المربية التي أعطت وبذلت الجهد للأجيال وأفنت عمرها للتعليم ذخراً، فهي أم فاضلة كم فاضت للأجيال عطفا ومثل أعلى للتعليم يجب أن يدرس ويقتدى، ففي التربية والأخلاق كانت للناس منهلا وفي المعاملة متواضعة لا تحتاج إلى شكر. شيخة الإنسانة أم المساكين وهل هناك ثروة يبقيها الإنسان بعد موته أكثر من محبة الناس، تميزت الراحلة بعطائها الجزيل وعطفها على الفقراء والمساكين ومد يد العون لهم من المأكولات والملابس وغيرهما، وكان بيتها العامر بمنطقة المعمورة ملجأ ومعروفاً لكل هذه الفئة المحتاجة ويصطف ذوو الحاجة لاستلام حصتهم من المساعدة خاصة في شهر رمضان المبارك، ولن يفتقدها أهلها وزميلاتها وأصدقاؤها فقط إنما سيفقدها هؤلاء الفقراء الذين كانوا يتشوقون لرؤيتها وهي تقوم بتوزيع الحاجات لهم بنفسها عند بيتها، وامتدت أياديها البيضاء إلى خارج البلاد وساهمت في الكثير من الأعمال الخيرية في بلاد أخرى، بالإضافة إلى أنها كانت تصل رحمها باستمرار وتهتم بهذه الخصلة الحميدة وتحاول نشرها بين أهلها وصديقاتها وتوصيهم دائما بصلة الأرحام. كسرة أخيرة أسأل الله أن يتغمدك برحمته التي وسعت كل شيء ويغسل خطاياك بالماء والثلج والبرد، ويجعل آلامك ومعاناتك مع المرض كفارة لك من كل ذنب، وهذا حال الدنيا كل حي مصيره أن يرحل وهي حكمة الله في خلقه لا مرد لها ولا تبديلا، فأنتِ المعروفة بشيمك الكريمة دوما سباقة للخير وللمواقف النبيلة. جعلها الله في ميزان حسناتك، وأقول لمن اتخذ دنياه دوما لعبا ولهوا لا تركن لها فهي فانية وكفى بالموت واعظا، نذكركِ وأنتِ ترسمين للحياة لونا وطعما بما تجلبينه لنا معك من معاني الوفاء تواسين بها الناس في مواقفهم الصعبة وتفيضين عليهم حنانا وحبا وتكفكفين أدمعا، نذكركِ في جلسات الفراغ وتجمعنا، وحديثك العذب، نذكركِ وأنت مع الطالبات وبينك بين جد ولعبا، نذكركِ وأنت تحكمين في أمور بالعقل والرشد، نذكركِ والذكرى تؤجج الروح والقلب. الحـقُّ نـادَى فاسْـتجَبْتَ ولـم تَـزل... بــالحقِّ تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـداء خــلَّفْت فــي الدنيـا بيانًـا خـالدًا... وتــركْت أَجيــالاً مــن الأبنــاءِ وغـدًا سـيذكرك الزمـانُ, ولـم يَزلْ... للدِّهــرِ إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاء الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية [email protected]