17 سبتمبر 2025

تسجيل

الجريمةُ الاجتماعيةُ السَّلبيةُ

02 مارس 2021

في القانونِ الجنائيِّ، عندما يقومُ شخصٌ بإطلاقِ النارِ على آخرَ فيقتلُهُ، فإنَّ جريمتَـهُ تكونُ إيجابيةً، أيْ توفرَ لها الفِـعلُ: إطلاقُ النارِ، والنتيجةُ: مقتلُ إنسانٍ. أما عندما يمتنعُ شخصٌ عن القيامِ بأمرٍ فيُسبِّبُ امتناعُهُ موتَ إنسانٍ، كأنْ تمتنعُ الأمُّ عن إرضاعِ صغيرِها فيموتُ، فإنَّ الجريمةَ تكونُ سلبيةً. وفي الحالتينِ، تكونُ العقوبةُ واضحةً مُفَصَّلَةً، ويتمُّ إيقاعُها بالـمجرمِ وحدَهُ دونَ أنْ يُضارَّ الذينَ لا ذَنْبَ لهم. أما في حياتِنا، فكثيرٌ منَ الجرائمِ الاجتماعيةِ لا ينالُ مرتكبوها عقوبةً، رغم أنَّها تُحطِّمُ سُمعةَ إنسانٍ، وتُدَمِّـرُ أُسَراً. وأسوأُ نتائجِها تكونُ شعورَ ضحاياها بالعَداءِ تجاهَ الـمجتمعِ وقِـيَـمِـهِ. لننظرْ، مثلاً، إلى ما يحدثُ لشابٍّ ارتكبَ جريمةً، كتعاطي الـمخدراتِ، وعُوقِـبَ بالسَّجنِ، وعُولِجَ وصَلُحَ حالُـهُ، لنرى كيفَ يقومُ أفرادٌ كُثْرُ في الـمجتمعِ بمعاقبتِـهِ، ومعاقبةِ أسرتِـهِ، بقسوةٍ ولؤمٍ مُفرطَينِ. فنجدُهُم لا يُبالونَ ببحثِ الأسبابِ التي دفعتهُ لتعاطي الـمخدراتِ، ولا بالآلياتِ التي عُولجَ بها منَ الإدمانِ، وإنما يأخذونَ بانتقادِهِ، والتشكيكِ به، ووَصْفِ أسرتِـهِ بالفسادِ. وهنا، يجدُ أفرادُ الأسرةِ أنفسَهُم في مواجهةٍ ظالـمةٍ معَ مجتمعٍ لا يستطيعُ بعضُ أبنائِـهِ أنْ يَتَحلوا بالروحِ الإنسانيةِ للإسلامِ الحنيفِ. ولننظرْ إلى قيامِ شابٍّ تافهٍ بالإساءةِ لسُمعةِ فتاةٍ، فيذكرُها بالاسمِ، ويروي عنها أموراً يختلقُها، لنرى كيفَ يُنَصِّبُ بعضُ الأفرادِ أنفسَهُم قُضاةً، فيحكمونَ عليها وعلى أسرتِها بالفسادِ. بل، ويقومونَ بروايةِ قصصٍ لا منطقَ فيها عنها وعن أخواتِها، لدرجةِ أنَّ الذينَ تربطُهُم بأسرتِها علاقاتُ جوارٍ طيبةٍ يشعرونَ بالخطرِ على بناتِـهم وأُسَرِهِم، فينضمونَ إلى قافلةِ الظلمِ الاجتماعيِّ، بلا تفكيرٍ، ويعاقبونَها بالعَزْلِ وإظهارِ الكراهيةِ لها. فماذا ننتظرُ من هاتِـهِ الـمظلوماتِ اللاتي صارَ مصيرُهُنَ بائساً، ولم يَعُدْ بإمكانِـهِنَّ مجردَ الحلمِ بحياةٍ زوجيةٍ هانئةٍ كسواهُنَّ منَ الفتياتِ؟. الـمجتمعُ، في الحالتينِ وسواهما، يقومُ بالجريمةِ السلبيةِ، لأنَّ كثيراً منْ أبنائِـهِ يمتنعونَ عن القولِ والعملِ الكفيلينِ بفَضْحِ ومعاقبةِ الـمجرمينَ الإيجابيينَ الذين ينشرونَ أموراً تُؤثِّرُ سلباً وبشدةٍ على مصائرِ أناسٍ أخطأوا وتابوا، أو اتُّهِموا بالخطيئةِ. وترجعُ سلبيتُهُ إلى أنَّ النهضةَ الاجتماعيةَ، والتَّحضُّرَ، والتَّمَدُّنَ لم ترافقها تنميةٌ أخلاقيةٌ كافيةٌ تستندُ إلى الروحِ الإنسانيةِ، والرحمةِ، والعدالةِ في ديننا الإسلاميِّ الحنيفِ. لكنَّ الجيلَ الشابَّ في بلادِنا الحبيبةِ بدأ في ممارسةِ دورِهِ في تلك التنميةِ عَبْرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، مما يجعلُنا نشعرُ بالاطمئنانِ إلى الغدِ الاجتماعيِّ والأخلاقيِّ لـمجتمعِنا. كلمةٌ أخيرةٌ: منهجُنا في حياتِنا الاجتماعيةِ يستندُ إلى حديثِ الأغلى منْ حياتِنا ودُنيانا، ﷺ: (كُلُّ بَنِـيْ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْـرُ الخَطَّائِـيْـنَ التَّـوَّابُونَ إبْراهِـيْـمُ فَـلامَـرْزِي كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ [email protected]