27 أكتوبر 2025

تسجيل

في السجن أنا قمزحاي تيرسو

02 مارس 2015

في البداية لم يألف عبد القيوم اسمه على الإطلاق، وبدا له شبيها باسم مدمرة أمريكية الصنع، تتلفت على شواطئ البحر الأحمر، فكر أنه يشبه أيضا، أسماء متطرفين يهود، شاهدهم في نشرة للأخبار، يرددون أمام هيكلهم: اشكروا الرب، اشكروا الرب، وأسماء ديدان المحاصيل التي يلعنها المزارعون باستمرار، بوصفها من ألد أعداء الحياة الرغدة، وتذكر أنه شاهد مرة في سينما الإنجليز، القريبة من موقف باصات السفر، والتي يغشاها من حين لآخر، شريطا سينمائيا يتحدث عن سطوة المال في وول استريت، بنيويورك، كان فيه ممثلا يؤدي شخصية سمسار عقارات مدمن اسمه: قمزحاي. أربكته اللحظة بالتأكيد، ولم يقل شيئا، بينما أكمل الغريب:أنا منتج سينمائي.الرجل نفسه، الذي قدم للاجئة أببا، في حي المرابيع المنتفخ بإخفاقات اللاجئين، بوصفه مفسر أحلام عالميا، وكان من الممكن أن تصاحبه كزوجة، لولا أن جمالها لم يكن غبيا لهذه الدرجة، يقدم نفسه الآن بمهنة أخرى، بعيدة عن تفسير الأحلام، ويسكت من دون أن يمنح سيرته التي يشكلها وينوعها بحسب المكان والناس، فرصة أن تنساب وتؤكد أنه يحافظ على رشاقة الجسد بالركض اليومي عشرين ميلا، يأكل بيضتين فقط في اليوم، لتظل سعراته الحرارية متزنة، ويتدرب باستمرار على تقوية ذاكرته، حتى تكون صافية، حين يجد الوقت ليجلس لكتابة مذكراته. عبد القيوم لم يكن معنيا بكل ذلك حقيقة، وعلى رأسه ورم شعوري بائس، أكبر من أن يستأصله، ويجلس خاوي الوفاض، يستمع إلى أحلام لاجئ، فر من الحرب بمستواها المميت جسديا، إلى حرب أخرى، قد تشله عقليا. هو لا يعرف ماذا في سجلات ماضيه؟ وما الذي جاء به إلى سجن الاحتياط مشوه الدموع هكذا؟ فليس من المعتاد أن يصادف أحد منتجا سينمائيا، حتى في الحياة الحرة، ناهيك عن التي خلف القضبان.الذي تكون في ذهن عبد القيوم تلك اللحظة، وبدا له منطقيا ولا يحتاج إلى لي عنقه حتى يتمنطق، واستوحاه من هيئة الرجل العامة: من شعره الذي كان مبعثرا لم يلتم بتسريحة تهذبه منذ زمن، سرواله الواسع خاصة في منطقة الخصر والأرداف، وواضح أنه صدقة من فاعل خير، وحذائه الذي كان من قماش ممزق وبائس، هو أن الرجل ربما عمل ساعيا في سينما أو متسولا أمام سينما، أو وعدت بتشغيله إدارة لسينما، أو يحصل مجانا على تذاكر دخول للسينما، وربما أيضا يقوم بسرقة الناس في طوابير السينما..هكذا، ومهنة المنتج التي اختار أن ينسبها لنفسه، كانت خاطئة، لأنها مهنة ثراء بحت وحتى لو قامت آلاف الحروب، وتشرد ملايين الناس، لن يحدث أبداً أن تجد منتجا سينمائيا، يتنفس في جحر مثل هذا، ويأكل العدس والفول البائت، برفقة لصوص مغمورين. لكن مهما كانت مهنته ومهما كان حلمه، ماذا فعل ليدخل السجن الاحتياطي؟ هو عبد القيوم، أحب امرأة مشردة، أخلص لها، آواها في ظل وستر تشردها بمهنة ذات عائد، وعاقبه عشاقها الآخرون، بتلك المدسوسة المرتبكة. ماذا فعل قمزحاي تيرسو؟