12 سبتمبر 2025

تسجيل

خوارج الأمس واليوم!

02 يناير 2019

لم تكُن زيارة الصَّهيوني بن تسيون لمسجد رسول ‎ﷲ ﷺ إلاّ إيذاناً باستباحة مدينة رسول ‎ﷲ وجميع بلاد الحرمين في عهد حَمَلَة راية التّوحيد المباركة، والله يشهد أنّ كلمة التّوحيد ما كانت غايتهم ولا جاوزت رايتهم، وما مهرجان الغناء علىٰ مشارف المدينة إلاّ آيةٌ علىٰ عودة بني قينقاع وبني النّضير، الّذين جعل ‎ﷲ منهم القردة والخنازير، والعودة إلىٰ بلاد الحرمين الشّريفين ليست تسير عنْ تواطؤ وحده، بل وتآمر بلغ أشدّه، ومتآمر كشف حقده، وصعّر من الجهل خدّه، يقودها خوارج هٰذا العصر، الّذين يختلفون عن خوارج باقي العصور، ويتّفقون معهم في خلطهم للأمور. يُعرّف الشّهرستاني الخوارج في كتابه «المِلَل والنِّحَل»: «كلّ منْ خرج علىٰ الإمام الحقّ الّذي اتّفقت الجماعة عليه يُسمّىٰ خارجياً، سواء كان الخروج في أيّام الصّحابة علىٰ الأئمّة الرّاشدين، أو كان بعدهم علىٰ التّابعين لهم بإحسان، والأئمّة في كلّ زمان»، ويرىٰ ابن حزم في «الفصل بين المِلَل والنّحل» أنّ عقيدة الخوارج قد بُنيت علىٰ خمس: «إنكار التّحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجَوْر، وأن أصحاب الكبائر مخلَّدون في النّار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، وخوارج عصرنا ينطلق لسانهم بتكفير أصحاب الكبائر، وينعقد عنْ القول بالخروج علىٰ أئمّة الجَوْر، يرون أنّ أصحاب الكبائر مخلّدون في النّار، ويرون الإمامة لا تجوز إلاّ في سلمان الحزم ومحمّد العزم، حتىٰ لو مَنَعُوا المسلمين منْ زيارة الأراضي المقدّسة، وفتحوا الأجواء لطائرات شركة العال لتحلّق بتعالٍ، مؤذنة باختراق سماء جزيرة العرب بعد اختراق السّياسة والاقتصاد، واحتراق البلاد والعباد. خوارج اليوم هُم حكّام الجَوْر أنفُسهم، خرجوا في غفلة منْ تاريخ الأمّة، ليخرجوا عنْ أعراف الأمّة، وعنْ طوق الأمّة، بإجماع الأمّة، خرّيجو مدارس الجهل ومعاهد العمالة، لا يفكّون للسياسة خطّاً ولا يفقهون في الرياسة حرفاً، سيماهم في وجوههم منْ أثر الجمود، قال ابن سلام: العاقل شجاع القلب، والأحمق شجاع الوجه، وخدود حكّام الجَوْر والملوك المتغلّبين تكاد تنفجر شجاعة، ولَإِن ساروا بين الغوغاء لرُفع عنهم لباس الهيبة وتسربلوا بوعاء المهانة، فما عرفتَ الحاكم من المحكوم، مع أنَّ في الغوغاء تحقيق عوائد وتحصيل فوائد، فقد نُقل عن بعض الحكماء قولهم: «لا تسبُّوا الغوغاء فإنّهم يُخرجون الغريق، ويُطفئون الحريق، ويُؤنسون الطّريق ويشهدون السوق»، وإذا أردنا استخراج الحقائق المكنونة في أعماق الكلام، واستنباط المعاني المنثورة علىٰ ساحل المقال، فستصبح المقولة كالآتي: العنوا الحكّام لعناً كثيراً، فإنّهم يُعوّمون العملة ثمّ يغرّقون البلاد والعباد في الدّيون، ويشعلون النّار في الأسعار، ويقطعون الطّريق، ويحتكرون الأسواق». الخوارج في عصرنا هُم الذين قاموا بتبديل قُطبي العالم بين الشّمال والجنوب، وجعلوهما ما بين الشّرق والغرب، فأصبحت السّعودية وأمريكا قُطبا العالم للتّأثير، وقد يكون هٰذا معقولاً باعتبار النّظام السّعودي قطبا جامدا متجمّدا، لٰكنّه منافٍ لقواعد الفيزياء البسيطة التّي تفلق حبّ الأقطاب بين مُوجب وسالب، وتقسم نوىٰ المحاور بين خير وشرٍّ، وقُطبا العالم للتّأثير هنا سالبان، إنّه شرٌّ «أُسّ اثنين» بلغة الرّياضيات، أو القيمة المطلقة للشّر. الخوارج هم الّذين يقولون بأنّ السّعودية وأمريكا، قائدتا العالم نحو مرافئ الأمن والسّلام، وهٰذا كذب بواح، وافتراء صريح، فأمريكا قبل أنْ تُطفئ ناراً للحرب أوقدت أخرىٰ، وترىٰ أنّها قائدٌ للعالم لا شريك له، ولو أرادت أنْ تتّخذ شريكاً لاتّخذت إسرائيل شريكاً، ولألزمت السّعودية بتمويل ذٰلك نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا، وإنّ دولة الإسلام نفسها يوم كانت قائدةً للعالم ما كان لها شريكٌ في الحُكم، وكانت حواضرها مناراتٌ علمية، ومراكز العالم الثّقافية، مثل دمشق وبغداد والقيروان وفاس وقرطبة، أمّا حاضرة بلاد راية التّوحيد فحسبها مهرجان الجنادرية، أمّا الجوامع والجامعات، فتحوّلت لمهرجانات، وجيء بماجدة الرّومي إلىٰ أطراف طيبة لتُغنِّي كلماتٍ ليست كالكلمات، عوض ثنيّات الوداع، حتىٰ عكاظ تحوّل من قبلةٍ للشّعراء، إلىٰ صحيفةٍ صفراء فاقعٌ لونها، فإلىٰ متىٰ السّقوط؟