20 سبتمبر 2025
تسجيلقبل البدء بالحديث عن العلاقة الوثيقة بين المجتمع المتمدن والصناعة، علينا أن نعرّف كلمة (التغيير) كون هذه الكلمة هي لب التطور الحقيقي لأي مجتمع، فالتغيير يعني الانتقال من حالة إلى حالة أخرى خلال فترة زمنية غير محددة قد يكون هذا التحول إيجابيًا أو سلبيًا حسب المخرجات من هذا التغيير على المديين البعيد والقريب، وكما قال الفيلسوف (هيرقليطس): (إن التغيير قانون الوجود، وإن الاستقرار موت وعدم)، إذن أساس التطور هو انتقال المجتمعات من حالة أقل إلى حالة أفضل. وهذا يحدد مدى العلاقة بين أي مجتمع وقطاع الصناعات، وبما أن العالم منذ عدة قرون يعيش انتفاضة صناعية غيرت كثيرًا من مفاهيم الاقتصاد، تحول العالم أجمع إلى عالم صناعي يبحث عن التطور وتحسين الدخل من خلال الاعتماد على هذا المجال المهم، حتى بات المجتمع الدولي يدير مؤسسات ضخمة تُعنى بالاهتمام بمنظومة الصناعة بطريقة احترافية من خلال الدراسات والبحوث والمشاريع الناجعة المثمرة، بأرقام واقعية تعكس حقائق النمو الاقتصادي وتوفر له طاقات علمية مدروسة تفتح الكثير من النوافذ وبالأخص للدول النامية اقتصادياً. ولأن المجتمع المدني هو أحد أهم العناصر المتأثرة والمؤثرة في هذا المجال كان لابد من التركيز على نوع العلاقة المرتبطة بينهما وأهميتها للجانبين. فالمجتمع الصناعي وكما يرى (ريموند آرون) RAYMOND AROND أحد أبرز علماء الاجتماع الفرنسيين المعاصرين: هو المجتمع الذي يكون شكل إنتاجه الصناعي من أعظم مميزاته والذي يضم مؤسسات صناعية كبيرة تتم فيها عمليات الإنتاج الصناعي، ويتضح من خلال هذه النقاط التي ذكرها أنه يجب عدم الفصل بين النظام الاقتصادي والنشاط الاجتماعي، كيف؟ هذا هو السؤال العملاق الذي لا يجب أن نغفل عنه، المجتمع الصناعي الخليجي لا يخرج من هذه الدائرة وبالأخص أنه يعتبر من المجتمعات العالمية المتأخرة في هذا الركب، فهو يحتاج إلى الكثير من الدراسات والبحوث التي تقيّم العلاقة الصناعية مع أفراد المجتمع. ولأنها مجتمعات متطلعة وراغبة بقوة باللحاق بالسياق الصناعي العالمي تحتاج إلى تعزيز هذه العلاقة كي يُبنى النهوض الصناعي على أسس مدنية سليمة وواعية. فالصناعة إحدى أهم ركائز الازدهار الحقيقي لأي أمة والدليل أن مفهوم كلمة (صناعي) لم يقتصر على الصناعات الكيميائية بل استطاع العالم أن يحول كثيراً من المفاهيم إلى أدوات صناعية خارجة عن هذا المحيط، كصناعة السياحة والثقافة والرياضة والعلاج وغيرها، التي وبذكاء أغلب دول العالم تحولت إلى مصادر دخل أساسية لها، إن الحراك الاجتماعي المتمدن يجيد استخدام الأدوات المتوفرة لديه ويحولها إلى صناعات حقيقية تضيف إلى الدول حضارة جديدة. لقد أثرت الصناعة وبشكل كبير على المجتمع الخليجي وأخرجته من المحدودية إلى العالمية وساهمت بدور فاعل في إيجاد النماء الحقيقي لشعوبه من خلال إيجاد الفرص الوظيفية والتقليل من نسبة البطالة، وفتحت المجال للعقول الماهرة لإخراج ما لديها من طاقات تساهم في نماء مجتمعاتها، وهذا يؤكد أنها ساهمت في إبراز الكفاءات الوطنية المؤهلة للاستثمار المهني. لقد عزز ذلك كثيراً في نشر ثقافة الإنتاج والمصلحة العامة أيضاً من خلال التفاعل الكامل للأدوار والأداء، وساعد في الخروج من دائرة الاستهلاك الكامل والاندماج الصناعي. ولو أني أرى وبشكل شخصي أن هذه الثقافة تحتاج إلى الكثير من البحوث والدراسات الإضافية لتحقق الكثير من الإيجابية وتحويل المواطن الخليجي إلى منتج قادر على تصنيع أفكاره وطاقاته واستغلالها لتطور ورفعة وطنه بشكل أكثر. قبل أنا أغلق نافذة هذا الصباح.. كل ما أتمناه ألا نتحول مع تحولات المجتمع الصناعي إلى الآلات متحركة، تعمل وتعطي دون أن تشعر، وتفقد مع الأيام، طبيعتها الانسانية، لنجد أنفسنا ذات مستقبل نسخة أخرى من العالم الغربي في تعاملاته البشرية.