18 سبتمبر 2025

تسجيل

حول الحرية الاقتصادية في البحرين

01 ديسمبر 2012

تحتفل البحرين هذا الشهر بعيدها الوطني وسط أداء نوعي لاقتصادها الوطني في المؤشرات الدولية. يعد موضوع ترتيب الاقتصاد البحريني في المؤشرات الدولية أمرا في غاية الأهمية بالنظر لحاجة المسؤولين لنتائج إيجابية للزعم بالتعافي من التداعيات المرتبطة بالأحداث السياسية التي مرت بها البلاد مطلع العام 2011. ربما أكثر ما يميز الاقتصاد البحريني عبارة عن تمتعه بسجل لامع في مجال الحرية الاقتصادية بسبب محدودية دور القطاع العام وهي مسألة جديرة. لكن هناك تحد بالحفاظ على هذا التميز على خلفية ظاهرة تعزيز دور الحكومة في الاقتصاد الوطني في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المملكة. حقيقة القول، تتربع البحرين على عرش مؤشر الحرية الاقتصادية ومصدره مؤسسة (هيريتاج فاونديشين) وصحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكيتان. وقد حصلت البحرين على المرتبة رقم 12 في تقرير العام 2012 متراجعة مرتبتين عن ترتيبها في تقرير 2011. تعتبر هذه النتيجة الأفضل خليجيا وعربيا وإسلاميا ما يعد تميزا. يعتمد المؤشر على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية وهي 1) تأسيس الأعمال، 2) التجارة الدولية، 3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي، 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة، 5) التدخل الحكومي في الاقتصاد، 6) الاستثمارات الأجنبية، 7) النظام المصرفي والتمويل، 8) حقوق الملكية، 9) الفساد المالي والإداري، 10) وتوظيف وتسريح العمال. لكن يبدو بأن القائمين على التقرير تحاشوا الأخذ بعين الاعتبار موضوع تسريح ومن ثم إعادة تعيين بعض العمالة المسرحة في البحرين لأسباب سياسية في العام 2011. كما حقق الاقتصاد البحريني المركز السابع عالميا على مؤشر الحرية الاقتصادية للعام 2012 التابع لمعهد (فريزر) الكندي المهتم بقياس السياسات العامة. وهذا يعني حلول البحرين في أفضل ترتيب بين الدول العربية قاطبة للمرة التاسعة على التوالي أي من صدور النسخة الأولى للتقرير. يعتمد المؤشر على العديد من المتغيرات وتحديدا 42 متغيرا موزعة على خمسة مجالات وهي 1) حجم الحكومة 2) القانون التجاري والاقتصادي وحماية حقوق الملكية 3) السياسة النقدية 4) التجارة الدولية و5) الإطار التنظيمي لكل من الائتمان والعمالة والنشاط التجاري. بيد أنه يؤخذ على التقرير اعتماده على مصادر ثانوية تم إعدادها لأغراض أخرى. كما تتضمن المشكلة في صعوبة منح نقاط بصورة موضوعية للدول المشمولة في التقرير بسبب معضلة توافر المعلومات بصورة مستدامة. وربما هذا يعد تميزا للبحرين كونها على استعداد لنشر أرقام محدثة عن الأداء الاقتصادي حتى لو لم تكن إيجابية بالنسبة للمملكة. دليلنا على ذلك نشر رقم متدن نسبيا لتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2011 أي قرابة 2 في المائة والذي يعد أقل من توقعات صندوق النقد الدولي. كما قرر مجلس التنمية الاقتصادية وفي خطوة مفاجئة في شهر نوفمبر 2012 بتخفيض مستوى النمو المتوقع للسنة برمتها من أكثر من 4 في المائة إلى 2.4 في المائة. وكما هو الحال مع التقرير كما تشمل السلبيات الأخرى للتقرير اعتماده على إحصاءات العام 2010 أي أرقاما قديمة نسبيا في الوقت الذي تتوفر فيه أرقام 2011 بالنسبة لكثير من دول العالم بما فيها بعض دول مجلس التعاون الخليجي بالتزامن مع صدور التقرير. السلبية الأخرى كما هو الحال مع (هيريتاج فاونديشين) مردها المنهجية المتبعة واعتماد التقرير بشكل أساسي على مصادر ثانوية تم إعدادها لأغراض أخرى بدل تنفيذ دراسات ميدانية. وتكمن المعضلة الجوهرية في إعداد هذه الأرقام لأمور أخرى لا تدخل بالضرورة ضمن المغزى الجوهري للبحث.   إضافة إلى ذلك، حصل الاقتصاد البحريني على المركز الأول عربيا مناصفة مع الإمارات في تقرير الحرية الاقتصادية في العالم العربي للعام 2012 والذي صدر قبل أيام. التقرير من إعداد مؤسسة (فريدريش ناومان) الألمانية عبر التعاون مع معهد فريزر الكندي صاحب تقرير آخر مشار إليه في هذا البحث وبالتعاون مع مؤسسة البحوث الدولية في سلطنة عمان. اللافت في هذا الصدد نجاح الإمارات في تقاسم المرتبة الأولى مع البحرين في تقرير 2012 في الوقت الذي انفردت فيه البحرين بالمنصب في 2011. يقيس التقرير مستوى حرية الاقتصاد ضمن 5 فئات وهي نطاق 1) نشاط الدولة 2) الإطار القانوني 3) السياسة النقدية 4) التجارة الحرة 5) والتنظيم. لكن يؤخذ على التقرير اعتماده على إحصاءات العام 2010 وبالتالي عدم أخذه بعين الاعتبار اندلاع الأزمة السياسية في فبراير 2011. عموما، لا يمكن تجاهل أوجه شبه بين تقريري الحرية الاقتصادية في العالم العربي والحرية الاقتصادية في العالم على خلفية الارتباط مع بمؤسسة (فريزر). في المجموع، ربما تغيرت سياسة محدودية دور القطاع العام بعض الشيء في أعقاب التطورات السياسية التي جربتها المملكة، مرت بها البلاد في فبراير 2011، حيث تعزز دور الحكومة عبر رفع مستوى النفقات العامة للتعويض عن حالة التذبذب لدى القطاع الخاص. ويتجلى ذلك لحد ما في موازنة السنتين الماليتين 2013 و2014. وللتدليل على ذلك تم تقدير نفقات العام 2013 بنحو 9.15 مليار دولار مع تسجيل زيادة طفيفة في السنة المالية 2014 وصولا لحد 9.4 مليار دولار. تزيد هذه الأرقام بشكل نوعي على تلك المقدرة للسنتين الماليتين السابقتين وتحديدا 6.9 مليار دولار للعام 2011 و7.16 مليار دولار للسنة المالية 2012. في المحصلة، يخشى حصول تراجعات في ترتيب الاقتصاد البحريني بسبب طريقة إدارة التحدي السياسي في البلاد بدليل صدور تقارير وانتقادات مستمرة من الدول الديمقراطية والمنظمات الدولية، الأمر الذي ينال من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. بيد أنه بمقدور البحرين تحقيق نتائج إيجابية بالنظر لتمتع البلاد بثروة بشرية وعمالة وطنية على استعداد للعمل في مختلف القطاعات.