15 سبتمبر 2025
تسجيلالجزيرة مصدر قلق لأطراف ترى في تغطيتها تهديداً لممارساتها فكرة إنشاء الجزيرة لإعلام عصري يتماشى مع التطور والديمقراطية ويرتقي بالإعلام العربي الجزيرة أحدثت فارقاً لدى المواطن العربي بين الإعلام الحرّ وإعلام الرأي الواحد اجتازت القناة اختبار الحيادية في أحداث مفصلية في العالم الجزيرة ليست عضواً في مجلس الأمن لكنها الشاهد الحي بعدساتها على الجرائم كانت وما زالت تتميّز بالتوسع والتخطيط لشبكة تصل لكل الثقافات ونشر الوعي بين الجمهور منذ انطلاقتها الأولى عام 1996 لطالما شدت الجزيرة أوتاد الإعلام العربي وعقول الجماهير والحكام أيضا باختراقها لكل الخطوط الحمراء التي كان الإعلام العربي مسجوناً فيها، فأحدثت فرقاً ملموساً لدى المواطن العربي بين الإعلام الحر الذي يضعُ الكلمة في مكانها الصحيح وبين إعلام يمجِّد الاستبداد ويتقنُ خداع الشعوب وتزييف الحقائق وعرض الرأي الواحد وتجميل سوء الحكومات وفسادها، وطوال العقدين الماضية، لطالما كانت قناة الجزيرة أفضل من سُمع، وأفضل من نَقل خبرا، فقد نجحت بأن تكون شاهدة بدقة، مجتازة لاختبار الحيادية في تغطيتها للعديد من الأحداث المفصلية، لتكسب بذلك أوسع جمهور عربي أصابه الملل من الإعلام الموجه في خدمة أجندات سلطوية وغايات ضيقة لا تفيد حاضره ومستقبله. عملت الجزيرة في مسيرتها الإعلامية على تغطية المناطق الساخنة باستمرار، وبرغم أنها لم تكن تملك حاملات طائرات ولا عضوية بمجلس الأمن ولا فيتو أممي، لكنها امتلكت عدسات الكاميرات التي تحولت إلى مذكرات الادعاء والشاهد الحي على جرائم العديد من الأطراف خلال الحروب والأزمات، بدءًا من ممارسات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، لترصد خلال تلك الفترة معظم جرائم التطرف والتشدد وانتهاكات حقوق الإنسان، مروراً بتوثيقها أحداث الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والذي لم يغب عن شاشة الجزيرة البتة، ولاسيما حصار غزة وحروبها المتوالية، وصولًا إلى دورها المفصلي في تغطية ثورات الربيع العربي التي ساهمت الجزيرة في نقلها حتى أصبحت نقلة تاريخية ونوعية عالمية في مضمارها. على طول تغطيتها الإخبارية، عملت الجزيرة على توثيق الجريمة وتوجيه الرأي العام المحلي والعالمي باتجاه إنصاف الضحايا ووضع مرتكبي الجرائم والانتهاكات تحت المجهر بشكل مستمر، وهو الأمرُ الذي لطالما أقلق الكثير من الأطراف التي رأت في تغطية الجزيرة الإخبارية تهديدًا لسياساتها وممارساتها، لتندفع محاولة إسكات صوتها وتغطية ضوء الشمس، وقد ظهر ذلك جلياً عدة مرات، من بينها تهديد الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) باستهداف مقر شبكة الجزيرة في قطر على خلفية تغطيتها الحرب الأمريكية على العراق ونقل يوميات الحرب هناك والانتهاكات التي يمارسها الجيش الأمريكي إلى العالم، وصولاً إلى مخطط دول الحصار التي كان من ضمن مطالبها استهداف الجزيرة لإسكات صوت الحقيقة الذي أقلقهم طويلا. لقد بذل فريق الجزيرة طوال اثنين وعشرين عامًا جهوداً وضعت الشبكة في مقدمة المنابر الإعلامية العالمية التي تمتاز بموضوعيتها وحياديتها، ولكن ما ميز الجزيرة حملها لقيم مهنية وأخلاقية عالية وذلك باهتمامها بنقل الأخبار من وسط المناطق الساخنة والملتهبة بالحروب والأزمات، ليكون نقل صوت الحقيقة ثمنًا للخطر الذي كان يُحدق بحياة العديد من مراسليها، ومحيطا بظروف المهنة كليا. لقد كانت الجزيرة مغامرة ومتحدية منذ اللحظات الأولى لتأسيسها، ومن الجدير بالذكر أن نتائج هذه المغامرة قد طفت على السطح بأسرع مما كان متوقعاً، فمع مضي الأشهر الأولى على النشرة الإخبارية الأولى غدت الجزيرة الحاضرة في كل بيت عربي، مكتسبة ثقته واهتمامه، وتمكنت في ظرف عامين فقط أن تزاحم وسائل الإعلام العالمية على الصدارة ومتفوقة عليها في بعض المناسبات، والشاهد الوحيد على أحداث مفصلية تاريخية إقليمياً وعالميا. ولدت فكرة تأسيس قناة الجزيرة لدى سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله في 1 نوفمبر 1996م، وتطلع سموّه إلى تشييد إعلام عصري يتماشى مع التطور والديمقراطية ويرتقي بالإعلام العربي إلى سلم وسائل الإعلام المتقدمة، ولذلك، وبعد تأسيس القناة بفترة، تمكنت الجزيرة من التفوق وفرض نفسها، بل وتجاوز الكثير من الفضائيات بخطوات متمكنة ساعدتها من بلورة هويتها الخاصة وذلك بفضل سياستها التحريرية المميزة، في نفس الوقت الذي تفوقت فيه في تغطيتها الميدانية للأحداث، وطبيعة البرامج التي بدأت الجزيرة بعرضها في ذلك الحين. ومع مرور الوقت، حملت الجزيرة معانى من اسمها، فكانت كالمنارة الإعلامية الحرة وسط محيط من القنوات التلفزيونية والوكالات العربية والعالمية التقليدية لتثبت بأنها فريدة ومتربعة فوق الجميع، فلم يقتصر نشاط الجزيرة على نقل الأخبار فقط، وإنما سعت لنشر الوعي بالقضايا التي تهم الجمهور العربي والعالمي، فكانت جسرًا بين الشعوب والثقافات يعزز حق الإنسان في المعرفة وقيم التسامح والديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف التي جعلتها الجزيرة على قائمة أولوياتها، فإنها بذلت جهودًا كبيرة لتصل لأكبر شريحة من الجمهور والموضوعات والاهتمامات، فأطلقت النسخة الإنجليزية من الجزيرة، والجزيرة المعنية بالمواضيع الوثائقية، إضافة إلى منح الأطفال حيزاً من شاشتها بإطلاق قناة الجزيرة للأطفال، مروراً بقناة الجزيرة مباشر والكثير الكثير الذي مازال تحت الدراسة، وبالتالي التخطيط لشبكة تصل لكل الثقافات. ولأن الجزيرة تسايرُ متطلبات العصر بدقة، وكون الجمهور العربي والعالمي بدأ بالتوجه نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر، فقد أطلقت الجزيرة منصة "مدونات الجزيرة" المكتوبة والمرئية والمسموعة لتساهم بذلك في فتح مساحات جديدة أمام الشباب العربي ليتفاعل مع أهم الأحداث ويشارك في التدوين والتعبير عن رأيه بعد سنوات من الخوف والتغييب الفكري. وإيمانًا منها بالتحولات الحاصلة في بيئة الإعلام والاتصال، حيث يصبح الجمهور صانعاً أصيلاً للرأي، أطلقت الجزيرة موقع ميدان (الشبابي)، وهو الموقعُ المتحرر من أنماط الصحافة التقليدية والذي يعتمد على نمط التقارير الطويلة أو القصة الصحفية القصيرة، ويدمجُ بين الذاتية والموضوعية، في مواكبة لتطلعات الشباب واهتماماتهم التي تتطلع للتعامل مع الأمور من جوانب جماعية وشخصية انطباعية صريحة وموضوعية. ولعلنا لا ننسى أن نشير إلى مركز الجزيرة للدراسات، والذي يعد أحد المراكز الرائدة عربيًا وعالميًا في تزويد أصحاب القرار والمهتمين بكافة المهارات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبسبب إحداثها ثورة في عالم الإعلام، فقد لاقت شبكة الجزيرة ضغوطا وحملات هدفت إلى إغلاقها، فمنذ انطلاقتها، بدأ العديد من الأنظمة العربية التي كان يقلقها طرح موضوعات سياسية وحقوقية مغيبة على شاشات الإعلام الرسمي بالتضييق عليها ومحاربتها، فأغلقت تلك الأنظمة مكاتب الجزيرة واعتقلت صحفييها وزجت بهم في السجون بالتزامن مع قيام العديد من محاولات القرصنة الإلكترونية، قبل أن تبلغ الحملات سقف الدعوة الرسمية لإغلاق قناة الجزيرة بشكل رسمي، وهو ما يعني الترجمة الحرفية والحقيقية للخوف من الكلمة. لم يقتصر الأمر على تلك المحاولات فقط، بل تعدى ذلك ليصل لمستوى الإيذاء الجسدي لطاقم الجزيرة وخلال مسيرة شبكة الجزيرة، فقد دفع العديد من أبنائها حياتهم ثمنًا لنقل الصورة وإيصال صوت الحقيقة من أرض الحدث في العديد من الدول بينها اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا والعراق. فبدءًا من العراق التي استشهد فيها مراسل الجزيرة طارق أيوب في قصف لطائرة أمريكية استهدفت مكتب القناة في حي الكرخ الواقع في بغداد يوم 8 أبريل 2003، إضافة إلى إصابة المصور زهير العراقي بجروح كبيرة في حادثة شهيرة آنذاك. ولا ننسى الشهيد المصور القطري علي الجابر الذي استشهد وهو ينقل حقيقة ما يجري في ليبيا في مارس 2011. وفي نفس السياق، ومنعًا للرأي الآخر وإخفاء للحقيقة، فقد انضم الإسرائيليون إلى الأمريكيين في ردود أفعالهم، حيث تعمدوا مضايقة مراسلي الجزيرة لما سجلته كاميراتهم من صور حية لانتهاكات وجرائم ارتكبت في فلسطين المحتلة وغيرها. ومن انتهاكات واعتداءات أعداء الحرية في دول أجنبية لمنبر الحقيقة إلى حصار ذوي القربى، حيث تجدد استهداف قناة الجزيرة في ظل الحصار الذي تفرضه ثلاث دول خليجية ومصر على قطر منذ 5 يونيو 2017، فكان على رأس المطالب التي تقدمت بها دول الحصار لقطر مقابل رفع الحصار عنها، وتوزعت على ثلاثة عشر بندًا، إغلاق شبكة الجزيرة، وهو الأمر الذي أثار استياء وتنديد الهيئات الحقوقية والإعلامية العالمية المستقلة، ما دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الذي وصف ذلك الطلب بأنه غير مقبول ويؤثر في حرية التعبير والرأي. وأسوة بما بات يعتقده الكثيرون اليوم، فإن المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة ليس بغرض معاقبة قطر لوحدها، وإنما إشراكٌ لعشرات الملايين من العرب في المنطقة بحرمانهم من تغطية إعلامية فريدة، بحسب وصف منظمة هيومن رايتس ووتش. ورغم كل ما عاناه مسؤولو وإعلاميو قناة الجزيرة من ضغوط على طول السنوات الماضية، وما مروا به من عراقيل ومعوقات، إلا أنهم ومع الذكرى الثانية والعشرين للتأسيس نجدهم ماضين في طريقهم على الخطى التي رسمها صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظهما الله فلهما يرجع الفضل الأكبر في استمرار تلك المسيرة، والتي لخصتها كلمة الأمير الوالد في الذكرى العشرين لانطلاقة الجزيرة بقوله: "إن ميلاد الجزيرة كان ميلاداً لأعظم تجربة إعلامية في العالم العربي، وأنها حررت المشاهد العربي من الاعتماد على الإعلام الأجنبي المنحاز ضد مصالح العرب وتطلعاتهم.. وإن الجزيرة كانت ولا تزال شاهد حق لا يدلس ولسان صدق لا يجامل، وحرمت القتلة من التستر على القتل، وانحازت للحقيقة والإنسانية وتطلعات الشعوب العربية في توقها للحرية، خاصة خلال ثورات الربيع العربي". على هذه القاعدة الاستراتيجية التي رسمها قادة قطر يزداد طاقم الجزيرة اليوم إصرارًا على رسم ملامح قصة نجاح وتميز جديدة، تميزٌ لطالما صنعوه معًا في شبكة الجزيرة، حاملين على عاتقهم أن يكون المستقبل حافلًا أكثر من ذي قبل بالعطاء والفاعلية والتفاعل البناء التي عهدها جمهور الجزيرة في شرق العالم وغربه.