19 سبتمبر 2025
تسجيلتشير الدلائل إلى أن صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي محافظة على قوتها رغم بروز بعض التحديات المالية في الآونة الأخيرة. يتعارض هذا مع تأكيدات وتنبؤات بعض الجهات بحصول انخفاض جوهري لقيمة الثروات السيادية الخليجية وذلك على خلفية هبوط أسعار النفط منذ النصف الثاني من 2014.مما لا شك فيه، يتوقع حصول عجز في الموازنة العامة لعدد من دول مجلس التعاون خلال عام 2015 بالنظر لتراجع العوائد النفطية، يساهم القطاع النفطي بنحو ثلثي إيرادات الخزينة في الدول الست وبنسب أعلى في حال ارتفاع أسعار النفط. من جملة الأمور، يجري التعامل مع العجز عبر سلسلة تدابير بما في ذلك إعادة النظر في سياسات الدعم وتقليص الإنفاق والسعي للحصول على تسهيلات وقروض تجارية حيثما كان ذلك ممكنا.في الواقع، توفر التحديات المالية فرصا للمنظومة الخليجية طال انتظارها لإعادة هندسة الإعانات السخية للمواطنين وغير المواطنين في شكل مواد غذائية مثل اللحوم والمنتجات النفطية والمرافق ولاسيَّما الكهرباء. وفي هذا الصدد، لعبت الإمارات دور القيادة عبر إنهاء دعم الوقود وتطوير صيغة تتم بموجبها مراجعة أسعار المنتجات النفطية بصورة شهرية. وتبين لجوء اللجنة المختصة في الشهور القليلة الماضية إلى خفض وليس رفع أسعار البيع بالتجزئة تماشيا مع توجهات السوق وبالتالي تبديد المخاوف من حتمية تصاعد الأسعار مع انتهاء الدعم.ما يثير للدهشة بأن قيمة صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي بصورة مجتمعة بلغت قرابة 2.8 تريليون دولار في شهر سبتمبر مقارنة مع 2.7 تريليون دولار في بداية العام الجاري ما يعني أن هناك تعزيزا لحجم الاحتياطي. مصدر هذه الإحصائية، لا غير، معهد الثروة السيادية والذي يعد مرجعا في هذا المجال. يعد هذا الرقم ضخما لكونه يشكل 38 بالمائة من قيمة كافة صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم وقدرها 7.2 تريليون دولار. بالعودة للوراء قليلا، شكلت ثروات دول مجلس التعاون أقل من 37 بالمائة من صناديق الثروة السيادية العالمية في شهر يناير ونحو ذلك خلال عام 2014. ويبدو جليا تعاظم الثروة السيادية التابعة للمنظومة الخليجية على الساحة العالمية في غضون السنتين.اللافت بأن الإمارات واحدة من الدول الرائدة في العالم وليس فقط على مستوى منطقة الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بالثروة السيادية. تبلغ قيمة الثروة السيادية للإمارات وحدها 1215 مليار دولار. يعتبر هذا الرقم نوعيا بشكل استثنائي، إذ يشكل قرابة 44 بالمائة و16.7 بالمائة من مجموع صناديق الثروة السيادية من دول مجلس التعاون الخليجي والعالم، على التوالي.يتصدر هيئة أبوظبي للاستثمار الثروة السيادية للإمارات لكن هناك إضافة بمقدار 183 مليار دولار لمؤسسة دبي للاستثمار فضلا عن 66 مليار دولار لشركة مبادلة العاملة في الحقل النفطي.تأتي قيمة الثروة السيادية والتي تتبع هيئة أبو ظبي للاستثمار، تأتي في المرتبة الثانية دوليا من حيث القيمة بعد صندوق للمتقاعدين يعود للنرويج. يعرف عن النرويج وهي نفطية صرف نسبة من العوائد النفطية فقط والاحتفاظ بالباقي للأجيال القادمة تأكيدا لمبدأ توزيع ثروات البلاد على مختلف الأجيال وبالتالي عدم استفادة جيل واحد على حساب أجيال أخرى من الثروات.كما تمتلك السعودية والكويت وقطر ثروات سيادية ضخمة وتحديدا 677 مليار دولار و592 مليار دولار و256 مليار دولار على التوالي. الملاحظ في هذا الصدد انخفاض حجم الثروة السيادية للسعودية بواقع 86 مليار دولار منذ بداية 2015 وهي الحالة الوحيدة بين دول مجلس التعاون. وعلى هذا الأساس، باستثناء السعودية إلى حد ما، لا يوجد أي حديث عن سحوبات أخرى من الاحتياطيات بغية سد الفجوة بين الإيرادات والنفقات. وتبين بأمن موازنة السعودية للسنة المالية 2015 بحاجة للتعامل مع تداعيات هبوط أسعار النفط من جهة والإنفاق المطرد من جهة أخرى لتمول الحرب في اليمن.يصنف تقرير معهد الثروات السيادية أربع دول أعضاء في مجلس التعاون وهي الإمارات والسعودية والكويت وقطر في خانة أفضل 10 مراتب من حيث الثروة السيادية على مستوى العالم الأمر الذي يعكس القوة الاقتصادية للمنظومة الخليجية.وكان لافتا استعداد الدول الخليجية صاحبة الثروات السيادية المتميزة بتقديم عون مالي قدره 10 مليارات دولار لكل من البحرين وعمان في خضم تداعيات الربيع العربي. تهدف المنحة المالية لمعالجة بعض التحديات الاقتصادية وهذا ما يحدث فعلا عبر تمويل مشاريع لتطوير البنية التحتية في البلدين الخليجين. تتحدث التقارير بين الحين والآخر عن قيام الإمارات بتمويل مشاريع حيوية في السلطنة. بدورها، تقوم الكويت بتوفير التمويل لمشاريع تطوير الطرق في البحرين الأمر الذي يخدم العملية التنموية.كما يسجل لإمارة أبوظبي تقديمها العون لدبي في عام 2009 على خلفية بروز أزمة مديونية دبي ما سمح لها بتسديد المديونيات المتأخرة وبالتالي تحاشي كارثة اقتصادية محتملة، اللافت في هذا الصدد، تعافي اقتصاد دبي بصورة سريعة من تداعيات هذه الأزمة خلال فترة قياسية الأمر الذي يعكس المرونة الاقتصادية للإمارة.كما وظفت الكويت جانب من ثروتها السيادية لتمول حرب التحرير في أعقاب الغزو العراقي للبلاد سنة 1990، كما تمت الاستفادة من الثروة لتوفير المعيشة الكريمة للمواطنين خلال فترة العدوان ما شكل مفصلا تاريخيا ومثالا يحتذى به في إدارة المالية العامة. تجدر الإشارة إلى أن الكويت كانت سباقة بين دول مجلس التعاون بتأسيس صندوق للثروة السيادية في عام 1953.إضافة إلى أن الثروة السيادية، تعتبر المنظومة الخليجية رائدة عالميا في مجال الموارد النفطية خاصة النفط والغاز، تكفي الإشارة إلى أن السعودية أكبر مصدر للنفط الخام والحال كذلك لقطر بالنسبة للغاز الطبيعي المسال.