13 سبتمبر 2025

تسجيل

إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من منظور القانون الدولي

01 أكتوبر 2019

انطلاقا من المعاني السامية للخطاب الأميري في الدورة (74) لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص ما ذكره سموه، بشأن "إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسيلة لتهديد أمن الدول والعلاقات الودية فيما بينها"، تأتي هذه المقالة لعرض وجهة نظرنا من زاوية القانون الدولي. إنه وأمام التطور التكنولوجي السريع الذي اتسمت به الحياة في العصر الحديث، وبخاصة ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الربع الأخير من القرن العشرين، بات الاستخدام الواسع للوسائط التكنولوجية لتبادل المعلومات بديلاً رئيسيا للوسائل التقليدية. وأمست التكنولوجيا من المعطيات الأساسية في تسيير كافة الأمور اليومية للأفراد والمؤسسات والقطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء، إضافة إلى التعامل الدولي. ورغم ذلك أحاط استخداماتها العديد من المخاطر، وبعبارة أخرى اقترن ذلك بتزايد تعرض أنظمة وشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأنواع مختلفة وعديدة من الأفعال غير المشروعة، الأمر الذي أثار الحاجة إلى تلبية متطلبات أمنية، وضرورة العمل المشترك لمنع ومكافحة مثل تلك الأفعال. لقد استخدمت التكنولوجيا في انتهاك قواعد القانون وارتكاب الجرائم والتأثير السلبي في العلاقات الدولية، من خلال إساءة استخدام وسائط المعلومات والاتصال الحديثة التي تعتمد على الآليات التكنولوجية المتقدمة، وأكثر مظاهر ذلك ضررا استخدام هذه الوسائط للمساس بالهياكل الأساسية للدول ونظم المعلومات المرتبطة بها. ونظراً لما غلب على الاستخدامات التكنولوجية المسيئة من تعديها حدود الدولة الواحدة واخلال بقواعد وأسس القانون الدولي، فقد استلزم الأمر تعاوناً دولياً لمنع ومكافحة هذه الجرائم والحد من أخطارها، كما أن الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة قد أشارت مرات عدة على أن لجميع الدول مصلحة في جعل وسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أكثر أمناً، وأنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار المنشود إلا من خلال تعاون دولي يقوم على أساس من القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. كما وقد حظيت الحاجة إلى سلامة وتأمين وسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باهتمام العديد من الدول من خلال التنظيم التشريعي وتفعيل التدابير التنفيذية، وما سعت نحو تحقيقه الاتفاقات الدولية الهادفة إلى تعزيز التعاون الدولي، بغية منع ومكافحة هذا النوع من المخاطر الماسة بأمن وسلامة واستقرار المجتمع الدولي. وأمام ما توفره من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فرص هائلة للمجتمع الدولي تتزايد أهميتها باستمرار، وبالنظر إلى أن سوء استخدامها ينطوي على مخاطر تهدد السلم والأمن الدوليين، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013 فريق خبراء حكوميين لبحث "التطورات في ميدان المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية في سياق الأمن الدولي"، خاصة وان مصلحة جميع الدول العمل على تشجيع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأغراض السلمية ومنع نشوب النزاعات الناجمة عن سوء استخدامها. وتقدم فريق الخبراء المشار إليه بعدد من التوصيات عام 2015 كي تنظر الدول في وضع معايير وقواعد ومبادئ تتعلق بالسلوك المسؤول بغية تعزيز إيجاد بيئة آمنة ومستقرة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ومن أبرز هذه التوصيات: ❶ على الدول أن تتعاون في وضع وتطبيق تدابير لزيادة الاستقرار والأمن في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأن تمنع الممارسات المعترف بضررها في هذا المجال أو التي قد تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين. ❷ على الدول ألا تسمح، عن علم، باستخدام إقليمها لارتكاب أفعال غير مشروعة دولياً باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ❸ على الدول أن تعزز التعاون على تبادل المعلومات والمساعدة المتبادلة ومحاكمة المسؤولين عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إرهابية وإجرامية، وتنفيذ تدابير تعاونية أخرى للتصدي لهذه التهديدات. ❹ على الدول في سعيها نحو كفالة الاستخدام الآمن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحماية حقوق الإنسان وخاصة الحق في الخصوصية لضمان الاحترام الكامل لها بما في ذلك الحق في التعبير. ❺ لا ينبغي لأي دولة أن تقوم، عن علم، بالاضطلاع بأي نشاط في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وحتى يتم تطبيق القانون الدولي بفاعلية على استخدام الدول لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالصورة التي لا تضر بالنظام العام والأمن والسلام الدوليين، يتعين من وجهة نظرنا، أن تراعي الدول لدى استخدامها لتلك التكنولوجيا، ضمن مبادئ أخرى من مبادئ القانون الدولي، سيادة الدول وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأن تمثل لالتزاماتها القانونية الدولية باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب التأكيد على الحق الأصيل لكل دولة في اتخاذ ما يلزم من تدابير تتفق مع القانون الدولي ومع المبادئ الإنسانية والضرورة والتناسب لكافة الاستخدام القانوني لوسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما ينبغي مواصلة قيام الدول بوضع مفاهيم واضحة في مجال أمن واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المستويين القانوني والتقني. وإنفاذ وتفعيل آليات التعامل القانوني مع خروقات الاستخدام المشروع لوسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تتمثل في: أ - تحريك المسؤولية القانونية الدولية ضد الدولة التي ترتكب أو تشارك في ارتكاب انتهاكات الاستخدام المشروع لتلك الوسائط استناداً إلى مجرد وقوع الضرر. ب - اعتبار انتهاكات الاستخدام المشروع لوسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الأفعال ذات الخطورة محل الاهتمام الدولي التي تختص بنظرها محاكم الدول المختلفة، وحث جميع الدول على تطبيق هذا النظام بشأن تلك الأفعال. ج - تحريك الدعاوى أمام محكمة العدل الدولية وفق نظام المحكمة وقواعد إجراءاتها، مع أهمية استحداث أحكام تسمح للدولة المتضررة بتحريك تلك الدعاوى بإلارادة المنفردة متى أثبتت للمحكمة استيفاء جميع محاولات المفاوضة مع الدولة التي قامت بالعمل غير المشروع عن طريق أجهزتها أو الشركات التابعة لها. د - اعتبار تلك الخروقات ضمن الجرائم الدولية الماسة بسلم وأمن الإنسانية التي يختص بها القضاء الجنائي الدولي. هـ- إثارة الخروقات أمام الأجهزة والمنظمات الدولية ذات الصلة ومنها: الاتحاد الدولي للاتصالات - المنظمة العالمية للملكية الفكرية - المجلس الدولي لحقوق الإنسان. و - أن يكون لمجلس الأمن ولاية التدخل لاتخاذ ما يلزم من تدابير قمعية ضد الدول المسؤولة من منظور أن تلك الانتهاكات تمثل في جانب مهم منها إخلالاً بالسلم والأمن الدوليين.