17 سبتمبر 2025
تسجيلليس من الخطأ اعتبار تسجيل فائض ضخم في الميزانية العامة في الكويت سلاح ذو حدين. بمعنى آخر لا يمكن تغافل سلبيات تكرار رصد فوائض مالية سنة بعد أخرى في ظل توافر الفرص لتعزيز البنية التحتية والنمو الاقتصادي وبالتالي القدرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية. تتضمن إيجابيات ظاهرة رصد فوائض في الميزانية العامة الحد من التضخم والحفاظ على ملاءة مالية نوعية للدولة بالنظر لاحتفاظ الدولة برصيد مالي. تبلغ قيمة الصندوق السيادي للكويت قرابة 300 مليار دولار حسب أحدث تقرير لمعهد صناديق الثروة السيادية بالنظر لتراكم الفوائض المالية. تبدأ السنة المالية في الكويت في أبريل وتنتهي في مارس كما هو الحال مع قطر. يعد هذا التوجه لافتا في الظروف العادية لأنه يفسح المجال لأعضاء المجلس التشريعي بمناقشة تفاصيل الميزانية العامة قبل إقرارها بعد معرفة توجهات الأسواق بعد بداية السنة. نقول الظروف العادية لأنه وللأسف الشديد تشتهر العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت بالتوتر وعدم التوافق حول الأوليات. وخير دليل على هذا الكلام هو تقديم الحكومة لاستقالتها عدة مرات في السنوات القليلة الماضية بسبب عدم وجود علاقة عمل مع المشرعين. وقد وصل الحال لتعليق مجلس منتخب والإتيان بآخر انتهى صلاحيته كل ذلك على حساب مكانة الكويت وربما دونما دراسة التداعيات الاقتصادية لخطوات من هذا القبيل. وتبين حديثا رصد فائض ضخم قدره 47 مليار دولار في الميزانية العامة للسنة المالية 12-2011 والتي انتهت في شهر مارس. يشكل هذا الرقم قرابة ربع حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت ما يعد أمرا مميزا. المشهور عالميا تسجيل عجز أو فائض محدود في نهاية السنة المالية لكن ليس كما هو الحال مع الكويت. على سبيل المثال يلزم مشروع الاتحاد النقدي الخليجي بعدم ارتفاع عجز المالية العامة عن ما نسبته 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن تفهم بعض وليس كل أسباب حصول هكذا الفائض من قبيل تعزيز الإيرادات النفطية بسبب بقاء ارتفاع أو بقاء أسعار النفط مرتفعة في الأسواق الدولية وهذا ما حدث فعلا. لكن الأمر غير المقبول هو تراجع حجم النفقات المقررة بنسبة لأكثر من 12 في المائة. طبعا حدث هذا الأمر في الوقت الذي كان فيه من الممكن تعزيز النفقات مقابل تقليص مستوى فائض الميزانية العامة. مثلا كان من الممكن تخصيص المزيد من النفقات للاستثمارات الرأسمالية من قبيل تطوير شبكة الطرق والمطار أي البنية التحتية بشكل عام. مؤكداً يمكن اعتبار محدودية الاستثمار على البنية التحتية أحد أسباب عدم قدرة الكويت على استقطاب الاستثمارات كما تجلى في تقرير الاستثمار العالمي للعام 2012 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). فقد استقطبت الكويت استثمارات أجنبية مباشرة في حدود 400 مليون دولار في العام 2011 يعد هذا الرقم محدودا في أحسن الأحوال قياسا ببعض الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. فقد استقطبت البحرين والإمارات والسعودية استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 780 مليون دولار و7.7 مليار دولار و16.4 مليار دولار على التوالي. في المقابل تميزت الكويت بريادتها دول المنظومة الخليجية فيما يخص الاستثمارات الأجنبية المغادرة حيث بلغت 8.7 مليار دولار في 2011. طبعا يعكس الأمر بشكل جزئي الطبيعة الدولية للمستثمرين الكويتيين وهي صفة محل تقدير لأن المهم في نهاية المطاف السبل للحصول على أفضل العوائد. وكما زعمنا في البداية تساهم ظاهرة الحد من النفقات وبالتالي تسجيل فوائض مالية بوضع التضخم تحت المراقبة لضمان عدم ارتفاعها. وتبين حديثا أن نسبة التضخم في الكويت هي في حدود 2.8 أو لنقل 3 في المائة في أسوأ الأحوال ما يعني بأن التحدي تحت السيطرة. بيد أنه يعود الأمر للحد من التضخم بعدم ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الحيوية من جهة والدعم الحكومي لبعض السلع الإستراتيجية من جهة أخرى. كما يضاف لذلك عدم حدوث ارتفاع غير عادي للإيجارات وأسعار العقار. يعد التضخم في النظرية الاقتصادية أكثر سوأ من البطالة نظرا لأن الضرر يصل الجميع ولو بنسب مختلفة. مهما يكن من أمر تتميز المالية العامة في الكويت باعتمادها بشكل كبير ومبالغ فيه على القطاع النفطي. يساهم القطاع النفطي بنحو 90 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في الكويت ما يعني بأنها الأكثر اعتمادا على النفط بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. تشمل سلبيات هذه الحقيقة جعل المالية العامة تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي. كما يساهم القطاع النفطي بنحو 85 في المائة من الصادرات فضلا عن 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسب عالية دون أدنى شك. المصدر الآخر لدخل الخزانة العامة في الكويت عبارة عن عوائد الاستثمارات الدولية. كما هو الحال مع باقي دول مجلس التعاون لا تفرض السلطات في الكويت ضرائب تذكر على إيرادات الشركات التجارية. مؤكداً يتطلب تقليص الأهمية النسبية للقطاع النفطي في الاقتصاد المحلي وبالتالي تحقيق تنوع اقتصادي وجود علاقة عمل طبيعية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. بل توفر فرصة وجود فوائض مالية ورصيد ضخم للصندوق السيادي المجال أمام توظيف العوائد النفطية لإبعاد الاقتصاد المحلي من الاعتماد المبالغ فيه على القطاع النفطي. ختاما نرى صواب ما قاله أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قبل فترة بضرورة إجراء اصطلاحات جذرية في بعض أوجه الاقتصاد الكويتي خصوصا المالية العامة وتوظيف الفوائض النفطية بطريقة تساهم في تحقيق أهداف إستراتيجية مثل تقليل الاعتماد على النفط وتخصيص المزيد من الأموال للاستثمار في مشاريع البنية التحية فضلا عن تعزيز دور القطاع الخاص.