11 سبتمبر 2025
تسجيليُثير إعجابي ذاك التحوّل الذي يمكن أن نلحظه فيمن قرّر أن يحط بعد طول الطريق أحماله، ويُفرغ بعد مشقة الدرب جعبته، ويتحرر من تراكمات الشعور، وثقل الأفكار البائسة التي ناء بها كاهله طويلاً واُثقل بها قلبه ووجدانه ردحاً من الزمن، وقيّد بها عقله وروحه وجنانه . تلك الأثقال التي كانت تتكدّس عليه كلما امتدّ المسير، وتتراكم كلما انطوى فيه الزمن، ولم يخطر بباله يوماً أن يتخفف منها لأنه كان يعتقد أنها هو. وأن تركها خيانة لذاته، وانسلاخ عن هويته التي ظنها عن نفسه! أو ربما عدّها قلة وفاء مع غيره ممن قيّد له أُطر تحكمه وتوقعات تأسره ، ولعله قد وجدها أنها أحمال ثمينة على قلبه مهما بلغت مرارتها وكأنها وفاءٌ للحزن والبؤس وعهد بالألم له مع الحياة يتجدد ! كل تلك المبررات التي جعلته ينوء بها، وتذوي ملامحه وتُرسم على تعابيره ما يشبهها من الأسى والغصة والذبول، أو التجهم والعبوس، أو الاكفهرار الدال على الغضب المكبوت ، تنعكس على واقعه باضطراب المزاج، أو سرعة الغضب، أو عُسر المسلك والخُلق . أثقال تزيد ولا تنقص، تُقيّد دواخله وتظهر على ملامحه.. تتفاقم ولا تقل إلا عندما يتخذ المرء قراره بالتخفف، ويتعهد لنفسه - قبل أي أحد - بأن السير في درب الحياة لا يحتمل كل هذا الألم الذي قرره هو على نفسه بعلمٍ أو بدون علم ! فما أن يتخفف ويطرح تلك التراكمات حتى تُشرق روحه، وتبهى ملامحه، وتزهى تعابير وجهه، وتتخفف حركة جسده، فالنور بداخله قد حل، والبهاء في حدائق قلبه قد أزهر . فيغدو حينها كل شيء في نظره جميلاً على نحو ما، لأنه خلع عليه من جمال داخله الذي أبلج فيه، والذي كان يغشيه بحمل ثقيل يحجب عنه ضياء خفة روحه وتألق وجدانه ! وينعكس ذلك على خارجه ومن حوله فيصبح هيناً ليناً، سمحاً دمث الخُلق، لطيف المعشر ! وكأنه أُحيي بعد موت، وبُعث بعد اندثار! لأنه لم يكن إلا على قيد الحياة فقط ميتٌ في ثوب حي. كما قيل: ( كل نفسٍ ذائقة الموت، ولكن ليست كل نفسٍ ذائقة الحياة) فما الحياة إلا قرار بالتخفف ! لحظة إدراك: لا تنتظر أن يصدر النور والبهاء، والجمال واللطف إلا ممن تخففت روحه، وأورق جنانه، وأزهر عقله بأفكارٍ هي لذاك البهاء منبع ! وما ذاك الازدهار إلا لحدائق عقولٍ وقلوبْ شُذبت وهُذبت، وأزيل منها أثقالها وما يؤذيها، وسُقيت بماء زلال صافٍ، وتعهدها صاحبها بالرعاية والصيانة فحصد منها جنة تسر الناظرين حباً وبهاءً وجمالاً، وأثمر منها لغيرة رقياً ولطفاً وأدباً.