15 سبتمبر 2025
تسجيلنتوقف اليوم أمام سورة أخرى اخترت أن نتأمل معانيها ونطبقها على واقعنا المعاصر وهي سورة الحجرات. وهي سورة مدنية نزلت في المدينة المنورة وهي ثماني عشرة آية يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) (1) (يا أيها الذين آمنوا) تصدير لخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير يستدعي مزيد اعتنائهم عليه ووازع عن الإخلال به (لا تقدموا) أي لا تفعلوا التقديم بحق المقام لإفادته النهي عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهاني. وقوله تعالى (بين يدي الله ورسوله) تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدي رسول الله وذكر الله تعالى لتعظيمه والإيذان بجلالة محله عنده عز وجل، قيل نزل فيما جرى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لدى النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد (واتقوا الله) في كل ما تأتون وما تذرون من الأقوال والأفعال التي في جملتها ما نحن فيه (إن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بأفعالكم فمن حقه أن يتقي ويراقب. • قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (2) (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أي لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد يبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته (ولا تجهروا له بالقول) إذا كلمتموه (كجهر بعضكم لبعض) أي جهرا كائنا كالجهر الجاري فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم اخفض من صوته عليه الصلاة والسلام وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها، وقيل معنى لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض لا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة قال ابن عباس رضي الله عنهما " لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى " وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكلمه عليه الصلاة والسلام كأخي السرار لا يسمعه حتى يستفهمه. وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم -الوفود -أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى (أن تحبط أعمالهم) إما علة للنهي أي لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما في قوله تعالى " يبين الله لكم أن تضلوا "أو للمنهي أي لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء إلى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى " ليكون لهم عدوا وحزنا " وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فإن ذلك كفر بل ما يتوهم أن يؤدي إليه مما يجري بينهم في أثناء المحاورة من الرفع والجهر حسبما يعرب عنه قوله تعالى " كجهر بعضكم لبعض " خلا أن رفع الصوت فوق صوته عليه الصلاة والسلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشيء ولا ما يقع منهما في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو نحو ذلك. وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وربما كان يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتأذى بصوته وعن أنس رضي الله عنه أنه لما نزلت الآية - فقد ثابت وتفقده عليه الصلاة والسلام - فأخبر بشأنه فدعاه فسأله فقال يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط فقال له - صلى الله عليه وسلم - (لست هناك أنك تعيش بخير وتموت بخير وأنك من أهل الجنة) وأما ما يروى عن الحسن من أنها نزلت في بعض المنافقين الذين كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته عليه الصلاة والسلام فقد قيل محمله أن نهيهم مندرج تحت نهي المؤمنين بدلالة النص (وأنتم لا تشعرون) حال من فاعل تحبط أي والحال أنكم لا تشعرون بحبوطها وفيه مزيد تحذير مما نهوا عنه.