10 سبتمبر 2025
تسجيلفي 18 يونيو الماضي قام الرئيس بوتين بزيارة رسمية إلى كوريا الشمالية بعد غياب دام 24 عاما منذ زيارته الأولى في عام 2000، مما أثار حيرة المراقبين عن مغزى الزيارة التي تعد مفاجئة أو غير متوقعة أيضا. وأهم ما تمخض عن الزيارة هو توقيع البلدين على اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة. ورغم كونها شراكة وليس معاهدة تحالف أمنى. إلا أن اتفاق الشراكة قد نص في أحد بنوده على المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أحد اطراف الشراكة، وهو بمثابة «شبه» التزام بالدفاع المشترك أسوة بالتحالفات الأمنية الرسمية. والتقارب الروسي الكوري الذى يمهد لتحالف أمنى موسع يعد من الأحداث الفارقة التي يجب التوقف عندها كثيراً وفحصها عن كثب، بسبب ما يحمله من كم هائل من التداعيات والتساؤلات. ويبدو من الوهلة الأولى أن الدلالة الرئيسية والخطيرة لهذا التقارب تتعلق مباشرة بالحرب الأوكرانية. قد يكون غير معلوم لدى الكثيرين أن أكثر من قدم مساعدات ودعما لروسيا في حربها في أوكرانيا هو كوريا الشمالية وليس الصين- الحليف الرئيسي لموسكو- كما يتصور الكثيرون. فالصين بحكم سياستها المتوازنة والحذرة لم تعلن موقفا داعما مباشرا للحرب أو لروسيا، بعكس كوريا التي أيدت روسيا بصورة علانية مباشرة كما أعلنت عن استعدادها للتدخل لمساندة روسيا. وبالنسبة لروسيا وهو الأهم أن الصين لم تدعمها عسكريا بالقدر الكافي حيث لم تزودها بالصواريخ والذخائر المطلوبة، بعكس كوريا التي زودتها بكميات كبيرة من الأسلحة ويليها إيران. وعلى هذا الأساس، يتبدى من التقارب الروسي الكوري، الاحتياج الروسي الشديد لحليف قوى مناصر له، في ضوء التطورات الخطيرة المتوقعة لمسار الحرب الأوكرانية. حيث يتبدى من الحراك الغربي وتصريحات بعض القادة الكبار، أن القوى الغربية وحلف الناتو في إطار الاستعداد لتدخل مباشر في الحرب، أو على أقل تقدير تزويد أوكرانيا بأسلحة مكثفة فائقة التطور والسماح لها بضرب أعماق روسيا. ففي الشهر السابق، زودت الولايات المتحدة وإنجلترا أوكرانيا بصواريخ متطورة وأعلنتا السماح لأوكرانيا باستخدامها ضد أهداف حيوية داخل روسيا. في مقابل ذلك، كررت روسيا التلويح باستخدام السلاح النووي، كما رفضت روسيا مقررات مؤتمر سويسرا للسلام حول أوكرانيا وأعلنت عن شروط تعجيزية للتفاوض حول إنهاء الحرب. وعلى هدى ذلك، ترى روسيا أن التحالف مع كوريا النووية رادع رئيسي لتدخل غربي أمريكي في أوكرانيا، وورقة ضغط حاسمة ضد الغرب للاستلام للشروط الروسية، حيث من الوارد أن تثير كوريا توترات في شبه الجزيرة الكورية كما هو معتاد، مما يضطر الغرب للرضوخ. والتقارب الروسي الكوري ليس بمعزل عن الصين بطبيعة الحال حليف الطرفين. وعليه، يثير العديد من التساؤلات. وذلك من قبيل، هل تم بمباركة الصين؟ وهل لدى الصين مصلحة أساسية منه؟ وهل يمثل بداية لتحالف ثلاثي أمنى؟. أم الأمور عكس ذلك تماما؟. وقد تكون المفاجأة المدهشة، أن هذا التقارب قد يكون أكثر ما سوف يقلق الصين، ويربك خططها الاستراتيجية. ونقطة الانطلاق تبدأ من التفهم الصحيح للتحالف الروسي الصيني. في واقع العلاقات الدولية عموما، وواقع العلاقات بين القوى الكبرى خصوصاً؛ التنافس والخوف من الآخر وأولوية المصالح الذاتية هو السمة الغالبة، مهما اتسمت العلاقات من عمق في التعاون. ومقاومة التهديد الأمريكي وتأسيس نظام دولي تعددي يعد الأساس للتحالف الروسي والصيني. لكن هذا لا يمنع من وجود تناقض في المصالح ومنافسة غير معلنة أو مؤجلة لأجل غير مسمى. والحرب الأوكرانية ورفض الصين تزويد روسيا بأسلحة متطورة يبرهن على ذلك. وعلى أساس ذلك، فالتقارب الروسي مع كوريا الشمالية من ضمن أهدافه بعيدة المدى للطرفين هو موازنة القوى الصينية والضغط عليها في بعض الملفات. وهذا قد يكون مستغربا بحسبان أن الصين الحليف الرئيسي والوحيد لكوريا الشمالية، بل تعد كوريا بحسابات التاريخ والإيديولوجية احتكارا صينيا صرفا. ومع ذلك، فالمتتبع جيداً لسياسة كوريا منذ تولى «كيم جونج اون» هو محاولة جنوح خفيفة للخروج من بيت الطاعة الصيني. فكوريا الشمالية لا تثق في الصين بصورة تامة، وغير راضية عن الكثير من سياسات الصين لا سيما محاولات التقارب مع اليابان وكوريا الجنوبية، التي ستؤدى إلى مزيد من الضغوط الصينية على كوريا الشمالية للخفيف من تطوير السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى. نافلة القول، خلق التقارب الروسي الكوري واقعا جديدا صعبا، من شأنه التأثير بصورة خطيرة على الحرب الأوكرانية، وشبه الجزيرة الكورية، والصين، والقوى الغربية.