11 سبتمبر 2025
تسجيلقد مر بنا فوائد القصص القرآني من الناحية العلمية والأدبية، واليوم نسلط الضوء على فوائد القصص من الناحية التربوية.تمتاز القصة القرآنية بالإضافة إلى ما مر من ميزات بتأثيرها النفسي والتربوي البليغ، أسلوب القرآن فيها وأهدافه بعيدة المدى على مر الزمن، مع ما تثيره من حرارة العاطفة ومن حيوية وحركية في النفس، تدفع الإنسان إلى تغيير سلوكه وتجديد عزيمته بحسب مقتضى القصة وتوجيهها وخاتمتها، والعِبرَةِ منها. وتتجلى أهم هذه الميزات كما ذكر أهل العلم فيما يلي:الميزات التربوية للقصص القرآني:1) إيقاظ القارئ بشغل حواسه وفكره معا، فتجعله دائم التأمل في معانيها والتتبع لمواقفها، والتأثر بشخصياتها وموضوعها حتى آخر كلمة فيها.ذلك أن القصة تبدأ غالبًا، وفي شكلها الأكمل، بالتنويه بمطلب أو وعد أو الإنذار بخطر، أو نحو ذلك مما يسمى عقدة القصة، وقد تتراكم، قبل الوصول إلى حل هذه العقدة، مطالب أو مصاعب أخرى، تزيد القصة حبكًا، كما تزيد القارئ أو السامع شوقًا وانتباهًا، وتلهفًا على الحل أو النتيجة.ففي مطلع قصة يوسف مثلاً، تعرض على القارئ (رؤيا يوسف عليه السلام) يصحبها وعد الله، على لسان أبيه، بمستقبل زاهر، ونِعَم من الله يسبغها على الأسرة الفقيرة المتعثرة، الداعية إلى الله.وتتتابع المصائب والمشكلات على بطل القصة (يوسف عليه السلام) ويتابع القارئ اهتمامه ينتظر تحقيق وعد الله، ويترقب انتهاء هذه المصائب والمشكلات بتلهف.2) واقعية القصة وعدم الاعتماد على الإثارات المخالفة للعقل والمنطق، أو السبوح في بحور الخيال، متمثلة في أهم النماذج التي يريد القرآن إبرازها للكائن البشري، ويوجه الاهتمام إلى كل نموذج بحسب أهميته، فيُعرض عرضًا صادقًا يليق بالمقام ويحقق الهدف التربوي من عرضه، ففي قصة يوسف يعرض نموذج الإنسان الصابر على المصائب في سبيل الدعوة إلى الله (في شخص يوسف)، ونموذج المرأة المترفة تعرض لها حبائل الهوى فملأ قلبها الحب والشهوة، ويدفعها إلى محاولة ارتكاب الجريمة، ثم إلى سَجن إنسان بريء مخلص، لا ذنب له إلا الترفع عن الدنايا والإخلاص لسيده، ومراعاة أوامر ربه.ونموذج إخوة يوسف: تدفعهم هواتف الغيرة والحسد والحقد والمؤامرة والمناورة ومواجهة آثار الجريمة والضعف والحيرة أمام هذه المواجهة.ونموذج يعقوب: الوالد المحب الملهوف والنبي المطمئن الموصول، يعرض القرآن كل هذه النماذج البشرية عرضًا واقعيًا نظيفًا من غير إفحاش ولا إغراء بفاحشة أو جريمة، كما يفعل مؤلفو القصص التي يسمونها واقعية أو طبيعية، من روادِ جاهلية القرن العشرين، ذلك أن من أهم غايات القصة القرآنية: التربية الخلقية عن طريق علاج النفس البشرية علاجًا واقعيًا.فالقصة القرآنية ليست غريبة عن الطبيعة البشرية، ولا محلقة في جو ملائكي محض، لأنها إنما جاءت علاجًا لواقع البشر، وعلاج الواقع البشري لا يتم إلا بذكر جانب الضعف والخطأ على طبيعته، ثم بوصف الجانب الآخر الواقعي المتسامي الذي يمثل الرسل المؤمنون، والذي تؤول إليه القصة بعد الصبر والمكابدة والجهاد والمرابطة، أو الذي ينتهي عنده المطاف لعلاج ذلك الضعف والنقص، والتردي البشري في مهاوي الشرك أو حمأة الرذيلة، علاجًا ينهض بالهمم، ويدفع بالنفس للسمو، ما استطاعت، إلى أعلى القمم، حيث تنتهي القصة بانتصار الدعوة الإلهية، ووصف النهاية الخاسرة للمشركين الذين استسلموا إلى الضعف والنقص، ولم يستجيبوا لنداء ربهم فيزكوا أنفسهم.