18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ابتليت الإنسانية -منذ أن عرفت نفسها- بفلسفات وحضارات حاولت أن تطمس معالم الخير في حياة الإنسان وتقطع صلته بهدايات السماء مهما كلفها ذلك من جرائم وجنايات، وقد قص علينا القرآن الكريم أخبار الأمم الماضية التي تواثقت على محاربة الرسل، وإفساد الحياة حرثا ونسلا.أما حضارتنا المعاصرة فقد تفوقت على الحضارات السابقة وفاتتها فوتا بعيدا في كثير من الجوانب، واعتاد المفتونون منا بهذه الحضارة أن يثنوا عليها مشيدين بما استطاعت أن تنجزه في عالم المادة من طفرات مبدعة تذللت بسببها الصعوبات، وتقاربت المسافات وتراكم الإنتاج، ولا أظن أن أحدا منصفا يمكن أن ينازع في فضل هذه الحضارة على غيرها بما وصلت إليه من تقدم مادي تقني نعلم يقينا أن حضارة الغرب لم تكن هي المنشئ له من العدم ولكنها هي التي استطاعت أن تحقق الإنجاز مستفيدة من كسب الشعوب والحضارات الأخرى التي سبقتها.ويبقى السؤال الذي ظل العقلاء يرددونه ماذا استفاد الإنسان من كل هذا التقدم المادي الهائل؟ وما الذي حصدته البشرية من سعادة وشعور بالطمأنينة والأمان في ظل هذه الحضارة؟ ولماذا تتعقد مشكلات الإنسان نوعا وكما كلما قطعت هذه الحضارة شوطا في مضمارها الذي لا تبارى فيه؟والجواب الذي لا يتلجلج فيه مسلم أن ما تعانيه البشرية من شقاء روحي مستعر، وتظالم اجتماعي منكر ما هو إلا نتاج طبيعي لمحاولات هذه الحضارة الغربية وزعمها أنها قادرة أن تعوض الإنسان عقيدة -غير عقيدة الدين الحق - يسعد بها ويطمئن.ومن هنا كانت الجناية الكبرى التي اقترفتها حضارة العصر خديعتها للإنسان يوم أن أوعزت له أن المادة هي سر سعادته فانطلقت البشرية تلهث في جنون وراء الشهوات والملذات حتى غدت تجارة الجنس والمخدرات التي تحصد أرواح الملايين هي التجارة الرائجة في العالم، وتسابق العالم (الحر) في تأمين موارده التي تضمن له رفاهيته وتفوقه فكانت حركة الاستعمار وحروب الإبادة ونهب الثروات التي لم تتوقف حتى يومنا هذا وإن تعددت الأشكال والصور.وإذا كان للحضارة الغربية من فضل تشكر عليه في مجال القيم فلا شك أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م يمثل قمة ما تفاخر به هذه الحضارة، بيد أن هذا الإعلان جاء مشوبا في فلسفته التي اعتمد عليها، ومشوها في تطبيقاته المنحازة بكلياتها إلى مصلحة الرجل الأبيض، ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي صاغت هذا الإعلان منطلقة من فلسفة علمانية (قد تتوافق مع تكريم الإنسان أحيانا) ولكنها في رؤيتها الكلية تعمل على تغييب أو تهميش الجانب الأهم في حياة الإنسان والذي هو سر تشريفه وتكريمه فلا حديث عن حق الإنسان في تزكية نفسه وحماية فطرته التي فطر عليها وقد أحسن د. أحمد الريسوني في تجلية هذا البعد المهمش في مواثيق الأمم المتحدة في مقالته الرائعة إنسانية الإنسان قبل حقوق الإنسان.وقد آن لنا أن ندرك أن العلمانية التي هي روح الحضارة المعاصرة لن تقنع يوما بما حققته من مكاسب-بمنطق القوة لا بقوة المنطق- وأنها لن تدخر وسعا في سبيل علمنة الحياة كلها وانتزاع أي مقدس منها، فها هي مواثيقها تنادي بتدمير الأسرة وإباحة الشذوذ ونهاية الإنسان فإلى أي هوة سحيقة ستقودنا هذه الحضارة العوراء؟