15 سبتمبر 2025
تسجيلتوجه شاب إلى مطبعة كبيرة باحثاً عن وظيفة مهمة. وبعد أن نجح في المقابلة الأولى، كان عليه أن يقابل المدير من أجل المقابلة النهائية، نظر المدير إلى سيرته الذاتية ووجد أنها ممتازة فسأله: هل تلقيت منحة من أجل دراستك ؟، فأجابه الشاب:”لا”، هل أبوك هو من تحمل نفقات دراستك ؟، أجاب الشاب:”نعم”، أين يعمل أبوك ؟، أبي حدّاد، طلب المدير من الشاب أن يريه يديه، كانت يدا الشاب ناعمتين بدون أي عيوب، هل سبق لك أن ساعدت أهلك في عملهم ؟، لا، أهلي كانوا يريدون دائماً أن أدرس وأن أقرأ كتباً أكثر. كما أن أبي يعرف كيف يقوم بعمله أفضل مني، قال المدير:”أريد أن أطلب منك خدمة: عندما تعود إلى منزلك اليوم، اغسل يديّ أبيك وعد لتراني غداً صباحاً”، شعر الشاب أن حظه في الحصول على الوظيفة كبير. عندما عاد إلى المنزل، سأل أباه إذا كان يستطيع أن يغسل يديه، شعر أبوه أن الطلب غريب، كان سعيداً ولكن مشاعره كانت مضطربة ومدّ يديه لابنه، غسل الشاب يديّ أبيه رويداً رويداً. كانت المرة الأولى التي يلاحظ فيها أن يديّ أباه كانتا خشنتين وأن هناك تشققات وخدوش عديدة فيهما، كانت بعض الخدوش مؤلمة لدرجة أن بشرته كانت تقشعر عندما يلمسها، كانت المرة الأولى التي يفهم فيها الشاب ما الذي يعنيه لهاتين اليدين أن تعملا كل يوم كي تستطيعا أن تدفعا تكاليف دراسته. الكدمات على اليدين هي الثمن الذي عليه أن يدفعه من أجل تربيته ونشاطاته الدراسية ومستقبله، بعد أن فرغ الشاب من تنظيف يدي أبيه، بقي صامتاً وبدأ بترتيب وتنظيف ورشة أبيه في ذلك المساء، تكلم الأب وابنه طويلاً. قيمة مساعدة الأسرة في صباح اليوم التالي، توجه الشاب إلى مكتب المدير. لاحظ المدير الدموع في عيني الشاب عندما سأله: أتستطيع أن تخبرني ماذا فعلت وماذا تعلمت أمس في منزلك ؟، أجاب الولد: لقد غسلت يديّ أبي، وعندما انتهيت، بقيت وقمت بتنظيف الورشة، أعرف الآن أنني لولا أهلي لم أكن لأصل إلى هنا اليوم. بعد أن ساعدت أبي، تيقنت كم هو صعب أن أنجز شيئاً بنفسي. فهمت أهمية وقيمة أن أساعد عائلتي، صرح المدير قائلاً: “هذا ما أبحث عنه عند الناس، أنا أريد أن ألتزم مع شخص يستطيع أن يقدّر مساعدة الآخرين، شخص يعرف الصعوبات التي يواجهها الآخرون عندما يقومون بأشياء في الحياة. أنت مقبول في العمل”، الولد المدلل، المحمي، يعيش بعقلية “لديّ الحق”، ويضع نفسه دائماً أولاً متجاهلاً جهود أهله، عندما ندع أولادنا يتبنون هذا السلوك، هل نظهر لهم حبنا لهم أم ندمرهم ؟، تستطيعون أن تعطوا لولدكم منزلاً كبيراً، غذاءً جيداً، دورات تعليمية، وقتاً لاستعمال أحدث التكنولوجيات، ولكن عندما تنظفون الأرض أو تدهنون الحائط، دعوهم يجربون، بعد أن تأكلوا اطلبوا منهم أن يقوموا بغسل الأطباق، مهما كانت درجة ثرائكم، لأن هذا يغرس فيهم القيم الحميدة. ذات يوم، سيصبح شعركم أبيض، كما والد هذا الشاب، الشيء الأهم هو أن يتعلم ولدكم كيف يقدّر جهودكم، كيف يواجه الصعوبات وكيف يتعلم العمل مع الآخرين ويجعل الأشياء تتحسن. التنشئة الاجتماعية وتأثير البيئة المدرسية ما ينقصنا في مجتمعاتنا الخليجية خاصة والعربية بشكل عام التنشئة الاجتماعية والتي هي ليست إلا عملية تطبيعٍ اجتماعي وضبط اجتماعي وتكيف اجتماعي. إنها بالتحديد ذلك الشيء الذي يُميِّز الإنسان عن الحيوانِ، ويجعله ناجحا أو فاشلا، صالحا أو مجرما، أمينا أو خائنا… التنشئة الاجتماعية تكسب الإنسان إنسانيته، وتجعله متفاعلاً بالبيئة المحيطة به مثال ذلك المدرسة التي يقضي فيها أبناؤنا اكثر اوقاتهم ولها بالغ الأثر على شخصية الطالب وأدائه الأكاديمي ليست المدرسة مكانًا للتعلّم فقط، بل هي مساحة للتفاعل الاجتماعي بين مختلف أفرادها، ومكاناً لاكتساب القيم والسلوكيات إلى جانب المعارف والمهارات، والطالب الذي يقضي نصف نهاره في المدرسة لا بد أن يتأثر بثقافتها ورسالتها وبالعناصر التي تشكّل بيئتها، دعنا نتفق على أن أي طفل يولد كصفحة بيضاء، بل ناصعة البياض، وتنقسم سماته الشخصية فجزء منها هي جينات متوارثة من العائلة، والجزء الأكبر تكون سمات مكتسبة من خلال المعاملة، والبيئة المحيطة به، والتنشئة الاجتماعية، وغيرها. باب إلى الجنة يسعى الانسان المسلم جاهدًا إلى طاعة والديه بمختلف السبل طمعًا بنعيم الدنيا والآخرة، من أهمها مساعدة الولد لأبيه في عمله أو البنت لأمها في المنزل، وفي هذا واجب على الأبناء، طالما الأمر لم يكن مخالفًا لتعاليم الله عز وجل فإن الطاعة واجبة، وفي طاعتهما ومساعدتهما فتح باب للجنة، وبالتالي فإن الطفل في السنوات الأولى من عمره يكون إيجابيًّا ومتفائلًا، حيث إنه لا يعرف السيئ والقبيح والخطأ، وبهذا فإن مهمة الآباء تنحصر في تنمية هذه الصفات الإيجابية، وإلا فسوف تُقتل في داخله هذه الإيجابية الجميلة، وربما هذا الصدد يدلل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة). كسرة أخيرة أهمية دور الأسرة في بناء وتكوين شخصية إيجابية للطفل منذ الصغر، وعلى الأسرة أن تقود وتشجع الطفل على المبادرة الإيجابية، كما أن رد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف الطفل الإيجابية هي التي تجعله يستمر في هذا المسار الإيجابي طيلة حياته، وعدم إغفال دور المدرسة، ذلك المكون التربوي المهم الذي يعتبر شريكًا أساسياً للأسرة في هذا الأمر، ويجب ألا نغفل أيضاً أن بإمكاننا أن نجعل أبناءنا إيجابيين في تفاعلهم مع افراد الأسرة ومشاركتهم في تحقيق أهداف الأسرة لتعيش متكاتفة ومتعاونة ونساهم في تنشئة جيل له تأثير إيجابي في مجتمعه والمشاركة في نهضة بلاده. [email protected]