11 سبتمبر 2025

تسجيل

الكتابة الجديدة

01 يونيو 2016

احتلت نظرية تداخل الأجناس حيّزاً من الاهتمام قبل عقدين تقريباً، ورُوِّج لها، لكنها ما لبث أن خبت في الحراك الثقافي بفعل هيمنة السرد الذي استأثر بالفضاء الإعلامي الأدبي، وخمود نار الشعر خلا نثارات احتفائية لم تفلح في إشعال موقد. لكنّ المتابع يرى أن الشعر النازح من المشهد حلّ لاجئاً في حقول الرواية، منذ كتاب الواقعية السحرية الذين شعرنوا الرواية في انغماسهم الممتع بعوالم أمريكا اللاتينية النائسة بين أحلام متناقضة، أجّجت الحروبَ الأهلية زمناً، وأثّرت فيها تأثيراً واضحاً، ولم يكن خوان رولفو وجورج آمادو وغابرييل غارسيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا إلاّ رواة فائقي الشعريّة، سالت قصائدهم في متاهات الجغرافيا الجديدة، وغير بعيد يمكن أن يجد المتابع نصوصاً سرديّة عربية تماهت بالشعر وصنعت بهجتها الخاصة فيما كتبه الطيب صالح ومعظم ما كتبه أمير تاج السرّ وأحلام مستغانمي ومؤخراً شهلا العجيلي، وفي روايات أحمد عبد الملك أخصّ منها مقدمة "أحضان المنافي".ليس الشعر بوصفه صورة أو زخارف أسلوبية بقدر ما هو مصدر حقيقي يبثّ الفرح في القارئ، في روايات ظلّت أقاليم للمسرّة الهاربة من عالم القصيدة التي أغواها كهنة الشعر بتوسّل الفلسفة والفكر والتجريد.ولكن في المقابل ثمّة شعر جديد وجد في أساليب السرد مدخلاً إلى العودة للقارئ، وهو يجد في السرد المقتصد كوامن شعرية تبثه دلالات المعنى والزمان والسياق، وتذهب إلى صناعة البهجة ذاتها في مشهد الإبداع الجديد.وهنا تقدّم قصيدة النثر- التي خلّصت الشاعر من إكراهات الوزن والقافية- اقتراحاً ممكناً لدرامية النصّ الشعري، ببساطة ملفتة، ورغم كثرة التجارب وتفاوت جودتها، إلاّ أنها على مقربة من تكريس شعرية جديدة، تمتلك نسقها الذي يمكن المراهنة عليه في دفع الكتابة العربية نحو الأمام. الكتابة التي لا يمكنها اختزال المشهد، ولكن لا يمكن للمشهد الاستغناء عنه.