16 سبتمبر 2025
تسجيلما حدث بيني وبين مغني أسماك البحر، جون القصير، برغم ما تركه في نفسي من أثر، لم يكن الأسوأ في تلك الرحلة على الإطلاق، فقد حدث الأسوأ فجأة، ولم تبق سوى أيام قليلة على بلوغ بر الإسكندرية، حسبما نوه قبطان السفينة، وابتدأنا نحن غير المصنفين عشاقًا للبحر، نجهز أنفسنا لمعانقة اليابسة. لقد لاحظت، ولابد أن غيري أيضًا قد لاحظ، أن القبطان لويجي آر كميلسون، قد تغير فجأة. شاهدناه في أحد الأيام، يتمشى بخطوات أوسع قليلًا من خطوات مسن مثله. كان يرتدي زي بحار قديما مهلهلا، أحمر اللون، يحيط عنقه بأوسمة وميداليات فضية وبرونزية، ويحمل في يده بوقًا من النحاس، ملوثًا بالأتربة، بينما تطل من جيب قميصه، ورقة قديمة أشبه بالخرائط التي كانت تستخدم في الصراع مع البحر. حييته فلم يرد على تحيتي، وحين ظهرت سونيا أفرين الملكة، تتهادى في مجال نظرته ونظرات الآخرين، وضَح تمامًا أنه أعد لها شركًا عاطفيًا بعيدًا كل البعد عن توقعي وتوقعها، وتوقع أي أحد آخر من المسافرين. رأيت لويجي آر كميلسون، المفترض حتى تلك اللحظة، أنه قبطان سفن شراعية متقاعد، وأحد هواة غرائب البحر الذين يشنون حروبًا ضارية على اليابسة مهما كان تحضرها وعذوبة مدنها، ويتسلى بملاطفة الحسناوات بلا أي غرض محتمل، ينحني أمام ملكة الجمال، يقبل يديها وقدميها وذيل قميصها، ويبكي، ويعلن بصوت الدموع الفاجر، استعداده أن يتحضر، ويقلع عن هوى البحر الركيك، ويقيم تحت قدميها في أي مدينة تحددها في العالم الفسيح. كانت الملكة قد اضطربت تمامًا في تلك اللحظة، فاجأها الشرك العجوز غير المتقن، واضطربت، كانت تنز من عينيها السحريتين نظرة خوف، يفور في فمها الوردي شبح استيضاح، وتحركت يدها اليمنى مرارًا أمام عينيها، بلا أي هدف محدد. لم تكن مرتها الأولى في مواجهة عاشق مهووس مثل القبطان لويجي، بكل تأكيد، وتعيش في بيئة ممتلئة بالمطبات والحفر، وثقلاء الدم، ومخترعي لغة الإغواء، وأصبحت ملكة في ذلك الشوك، لكن المفاجأة، والمفاجأة وحدها ما جعلها تضطرب. استدارت لتمضي متعثرة، بينما عاشقها العجوز، لا يزال منكفئًا على السطح، وقد تقاطر منه العرق، وتدافع عليه المسافرون، يحاولون إيقافه على قدميه، وقطعًا يبحثون في بؤسه وبؤس اللحظة، عن هيبة البحار القديم الذي عشقته ثلاثمائة حورية ملتهبة طوال سنوات قهره للبحر، ولم يلتفت لإحداها، كما كان يردد دائمًا.ذلك اليوم، وما تلاه من الأيام حتى بلوغنا بر مصر، لم تكن ثمة فرقة لأسماك البحر، تقيم ضجيجها وفوضاها على السطح المضاء بالفوانيس الملونة، ولا مغنٍ يمجد شاربي وعنفواني. ولا مسابقات تجرى وأسئلة تجاوب، أو واحد مثلي يحكي عن البلاد المجهولة، وينصب فارسًا للحكي. عثروا على القبطان لويجي مساء ذلك اليوم نفسه، في غرفته ميتًا أمام رقعة شطرنج قديمة باهتة المربعات، كان يلاعب وسواسًا قويًا كما يبدو، لأن الأحصنة والجنود التي في جيشه، كانت منهزمة. لم تكن ثمة آثار لجريمة ارتكبت عن عمد، ولا رسالة انتحار موقعة، ولا أي أداة من تلك الأدوات التي اشتهرت عبر التاريخ في إنهائها حياة العشاق، وحين رفعوه وعروه، وفتشوا جسده جيدًا، لم يعثروا إلا على جغرافيا العمر المرسومة على الجلد، وفتاق متورم عند السرة، ووشم غائر في ساعده الأيمن، يمثل نورسًا بلا جناحين.