19 سبتمبر 2025

تسجيل

معالجة التحديات الاقتصادية في البحرين

01 أبريل 2012

لا يزال الاقتصاد البحريني يعيش ظروفا استثنائية كنتيجة مباشرة للأحداث السياسية والأمنية التي خاضتها المملكة في بداية العام 2011. وتشير أحدث الإحصاءات المتوافرة إلى تباين أداء الاقتصاد البحريني في الشهور القليلة الماضية مع توقعات بارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي من جهة وتصاعد حجم الدين العام لمستويات تاريخية من جهة أخرى. بداية، تشمل التطورات والتي تحمل صبغة إيجابية على الاقتصاد المحلي عودة مسابقة الفورمولا 1 للبحرين حيث من المنتظر أن تقام المسابقة في الفترة ما بين 20 حتى 22 من الشهر الجاري. وكانت البحرين قد خسرت فرصة تنظيم المسابقة في العام 2011 بناء على موقف من الفرق المشاركة بعدم المجيء في إطار جدول معدل بغية إظهار امتعاضها طريقة معالجة السلطات للأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد. تتميز المسابقة بترك لمساتها على العديد من القطاعات الاقتصادية من قبيل الضيافة والطيران وتأجير السيارات فضلا عن الترويج للبلد المستضيف لثالث أشهر مسابقة رياضية في العام بعد الأولمبياد وكرة القدم. وتضمنت التطورات اللافتة في الآونة الأخيرة إقامة معرض البحرين للطيران وهو الثاني من نوعه في شهر يناير الماضي دونما تأجيل. وربما مهدت هذه الفعالية الطريق أمام عودة مسابقة الفورمولا 1 والتي تشتهر باستقطابها للزوار فضلا عن وضع البلاد محط أنظار العالم في مجال رياضة السيارات لثلاثة أيام متتالية. حقيقة القول، تطورات من هذا النوع تفسر جانبا من الحديث حول توقع عودة النمو الطبيعي للاقتصاد البحريني، حيث يشير تقرير حديث لبيت الاستثمار العالمي (جلوبل) إلى فرضية تسجيل نمو فعلي قدره 3.6 في المائة في العام 2012. في المقابل، تم تسجيل نمو فعلي محدود قدره 1.5 في المائة في 2011 أي أقل من نسبة النمو السكاني في البلاد ما يعني على حساب مستوى الرفاهية السائدة.وفيما يخص الأمور السلبية، انخفض مؤشر بورصة البحرين بنحو 20 في المائة في العام 2011 أي الأسوأ بين أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي. حقيقة القول، كان التراجع هو العنوان السائد لجميع أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي في 2011 باستثناء بورصة قطر وذلك تماشيا مع الظروف الاقتصادية الصعبة في دول مجموعة اليورو بالنظر لمعضلة مديونية اليونان وتذبذب قيمة الدولار وتوجه العديد من الدول لحماية مصالحها الاقتصادية بشكل أناني عبر وضع ضوابط على الاستيراد. وحديثا فقط، حدث تطورا لم يكن بالحسبان جملة وتفصيلا عندما قرر بنك (أركبيتا) العامل في مجال الاستثمارات ومقره البحرين التقدم بطلب الحماية من الدائنين استنادا للفصل الحادي العشر أو قانون الإفلاس في الولايات المتحدة. وتبين بأن البنك غير قادر على تسديد 1.1 مليار دولار من الالتزامات المالية تجاه عدد من الدائنين المحليين والدوليين. وتعني هذه الخطوة بأن البنك يثق في القوانين المعمول بها في الولايات المتحدة أكثر من أي جهة أخرى حتى تلك السائدة في البحرين. ومن شأن هذه الخطوة النيل من مكانة قطاع الخدمات المالية في البحرين وهو قطاع حيوي من حيث مساهمته في الاقتصاد المحلي، بل يعد بمثابة أهم ميزة تنافسية للاقتصاد البحريني برمته. يحتل القطاع المرتبة الأولى من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة والثاني بعد القطاع النفطي بالأسعار الجارية. ومرد هذا الأمر هو واقع أسعار النفطـ إذ إن ارتفاعها يزيد من أهمية القطاع النفطي على حساب قطاع الخدمات المالية.إضافة إلى ذلك، يلاحظ تنامي ظاهرة ارتفاع المديونية العامة وما لها من تداعيات بسبب تعزيز النفقات العامة. فحسب أحدث الإحصاءات الرسمية، بلغ حجم المديونية العام نحو 8.4 مليار دولار مشكلا ثلث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. يزيد هذا الرقم عن نسبة 28 في المائة التي تم تسجيلها في النصف الأول من العام 2011 ما يعد أمرا مقلقا. بالعودة للوراء، شكل الدين العام قرابة 10 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2008. بيد أنه لا يشكل حجم الدين العام أي خطر قياسا بما هو مسموح به ضمن مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي انطلق بداية العام 2010 بمشاركة أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية والكويت وقطر والبحرين. من جملة الأمور، يلزم المشروع الدول الأعضاء بعدم ارتفاع الدين العام عن مستوى 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. عموما، يعكس تطور رفع المديونية العامة رغبة الجهات العامة بتعزيز النفقات العامة بغية الحفاظ على ديمومة الاقتصاد الوطني فضلا عن تعويض الخسائر المسجلة لدى بعض الجهات الحيوية. والإشارة هنا إلى توجه الحكومة بضخ مبلغ قدره 1.75 مليار دولار في شركة طيران الخليج وهي ناقلة وطنية مملوكة بالكامل لحكومة البحرين. وقد شكل حجم المعونة صدمة للمتابعين، إذ يعد الرقم كبيرا قياسا بحجم النفقات المقدرة للسنة المالية 2012 وقدرها 8.4 مليار دولار. ويعكس التوجه الرسمي الأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة لشركة طيران الخليج لأسباب تشمل ضمان استيفاء حاجة القطاعات الاقتصادية في البحرين مثل الخدمات المالية عبر ربطها بالأسواق الأخرى في المنطقة فضلا عن قدرتها على استقطاب الزوار للبلاد والذين بدورهم يساهمون في تعزيز الدورة الاقتصادية.الأمل كبير بأن تساهم ظاهرة تعزيز النفقات العامة في تشجيع مستثمري القطاع الخص لاتخاذ خطوات مشابهة الأمر الذي ينصب في خدمة تحقيق الأهداف الاقتصادية للمملكة. وربما يمكن تفهم توجه مستثمري القطاع الخاص لمراجعة قرارات الاستثمار بالنظر للظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي جربتها البحرين خصوصا في العام 2011. وعليه، لم يكن مفاجئا تدخل القطاع العام بل ربما كان هذا هو المتوقع منه بضخ أموال في الاقتصاد المحلي في الظروف الاستثنائية.