12 سبتمبر 2025
تسجيلدراسة الثورة المصرية يمكن أن تكشف لنا أهم أركان المستقبل ، فإذا كانت الثورة الفرنسية تشكل بداية للنهضة الأوربية والتقدم الغربي فإن الثورة المصرية بلا شك ستشكل بداية لنهضة عربية شاملة التغيير على المستوى العالمي . وثورة مصر ستنشر أضواءها على كل المستضعفين في العالم و تحفزهم على الكفاح لانتزاع حريتهم و استقلالهم . وهذه الثورة تثبت أن الكفاح السلمي يمكن أن يحقق للشعوب أهدافها في إسقاط الاستبداد و التحرر من الظلم , فلقد كان هناك إصرار على الالتزام بالأسلوب السلمي الذي يعني التعبير عن الرأي العام بعدد من الوسائل أهمها المظاهرات . والسلطة هي التي استخدمت العنف ضد الشعب فاستخدمت أجهزة أمنها التي أنفقت على تسليحها و تدريبها ثروات الدولة , فكانت لهذه الأجهزة من القوة ما يثير الرعب و الخوف في نفوس الملايين من شعب مصر .. و قد استخدمت هذه الأجهزة قوتها بغرور واستعلاء و بلا رحمة . لكن الشعب أصر على الاستمرار في كفاحه السلمي ، و تقدم رجل مصري بصدره العاري فأطلق جهاز الأمن الرصاص على صدره ليرتفع شهيداً ،و ليقدم لنا مثلاً على التضحية بالنفس دفاعا عن حرية الوطن . كان المشهد يثير الخيال و يكشف المستقبل فالشعب يخرج مسلحاً بالإرادة و الإصرار متحدياً أجهزة أمن تمتلك قوة تفوق الخيال . وكانت النتيجة أن إرادة الشعب هي التي انتصرت ، وأن هذه الأجهزة الأمنية بكل قوتها انسحبت بعد أن دمرت مقراتها ، وأحرقت وثائقها وخانت الحاكم الظالم الذي حول قادتها إلى سادة للشعب ،وأعطاهم السلطات التي استخدموها في قهر الشعب . لذلك فإن أهم دروس الثورة المصرية لشعوب العالم المستضعفة أن الشعوب بكفاحها السلمي تمتلك القوة الإنسانية والمعنوية و الحضارية ، وهذه القوة تكفي لهزيمة قوى الاستبداد والطغيان وأن الحرية تستحق التضحية من أجلها . ونجاح الثورة المصرية سوف يلهم كل شعوب العالم المقهورة لتثور ضد حكامها المستبدين الطغاة .. وهذا ما حدث في اليمن و ليبيا و العراق وسوريا والأردن . هذا يعني أن نجاح الثورة المصرية لا يشكل انتصارا للشعب المصري وحده ،و لكنه يشكل انتصارا للحرية و الأحرار ضد الاستبداد و الطغيان ، وانتصارا لكل الشعوب العربية ضد الحكام الذين تجاهلوا شعوبهم لعقود طويلة . ونجاح الثورة المصرية كسر حاجز الخوف فأجهزة الأمن التي كانت تثير الرعب بقوتها ظهر ضعفها في مواجهة الشعوب, فإذا كانت أجهزة الأمن المصرية التي يبلغ عدد أفرادها أكثر من مليون جندي ،ويزيد عددها عن ضعف عدد الجيش قد انهزمت فما بالك بأجهزة امن الدولة العربية الأخرى . لذلك فإن الحاكم الذي يعتمد على هذه الأجهزة لقهر شعبه لابد أن يدرك أن ضعفه يمكن فيما يعتقد أنه أهم مصادر قوته . و أن الحاكم الذكي هو الذي يحتمي شعبه ، و يدرك أنه مجرد أجير لدى هذا الشعب . والثورات قادمة في كل مكان ، والحرية ثمنها دماء الشهداء والجرحى ,لكنها بكل تأكيد تستحق كل التضحيات فهي أساس بناء الحضارات وعندما تنتزع الشعوب العربية حريتها عن طريق الثورات فانها ستصنع النهضة و التقدم , وسيعود للحضارة العربية مجدها . والأحرار هم الذين يصنعون التقدم , فالحرية تفجر الطاقات الإنسانية والقدرات الإبداعية و تزيد الهمة و الإصرار عل تحقيق الأهداف و تجعل الإنسان يثق في قدراته . لذلك فإن نجاح ثورة مصر سيشكل بداية للتقدم في الوطن العربي , وهي حقيقة لابد من أن نشحذ بصيرتنا لنراها بوضوح . والشعوب التي تنتفض ضد الاستبداد و تثور لانتزاع حريتها ستواصل ثورتها ضد التخلف والفقر , والنواب الذين ستنتخبهم الشعوب لابد أن يقدموا لمن انتخبوهم كل جهدهم ليضمنوا أن يأتوا مرة أخرى للبرلمان , و لذلك سيراقبون الحكومات , و يرغمونها على تنفيذ مشروعات كبرى لتحقيق تقدم الدول , وحماية الحريات و الحقوق والقضاء على البطالة ,و إتاحة الفرص للمشروعات الصغيرة التي تقدم إنتاجا حقيقيا . ووسائل الإعلام الحرة سوف تشارك في مراقبة الرئيس والحكومة وأعضاء البرلمان ، وستدير المناقشات الحرة بين كل الاتجاهات لتوفر للشعب إمكانيات الحكم الصحيح على الوزراء والنواب والشخصيات العامة . وعندما يعمل الحكام والنواب وهم يخافون من شعوبهم ، ويدركون أنهم جاءوا إلى مناصبهم بإرادة هذه الشعوب التي تستطيع أن تعزلهم وتحاكمهم فإنهم سيستخدمون كل قدراتهم الإبداعية لخدمة هذه الشعوب . لذلك فإن الحرية ستفجر طاقات الجميع لبناء مستقبل أفضل لهذا الوطن ، والأحرار سيحررون الأوطان من التبعية والاستعمار ، وعندما يدرك الجميع جمال الحرية سيدافعون عنها بكل قوة ويضحون من أجلها . وفي ضوء تلك الحقيقة يمكن أن نرى ببصيرتنا أهم ملامح المستقبل .