15 سبتمبر 2025
تسجيلدائما عند التطرق إلى التصفية العرقية والإبادة الجماعية التي تشهدها أي منطقة من العالم يتذكر المرء تلك الدروس المستقاة من الإبادة الرواندية رغم مرور أكثر من عشرين عاما على وقائعها عام 1994 التي راح ضحيتها بحسب الأمم المتحدة، حوالي 800 ألف شخص معظمهم من إتنية التوتسي، قضوا في الإبادة التي نفذها متطرفون من إتنية الهوتو خلال ثلاثة أشهر والتي كانت دروسا مهمة تفيدنا اليوم في تطبيق ما أسماه الأمين العام للأمم المتحدة بـ"دبلوماسية الوقاية" لتحسين ردة فعل المجتمع الدولي على مثل هذه الانتهاكات اللانسانية خصوصا في إفريقيا الوسطى حيث يتعرض المسلمون إلى قتل ممنهج على أيدي عصابات ما يسمى "ميليشيا أنتي بالاكا" والتي كان آخرها أمس عندما أعلن عن عزم هذه العصابات مهاجمة ما يقرب من ألف مسلم يحتمون بالمسجد المركزي في بانغي العاصمة خشية التعرض للمذابح التي لا تتورع العصابات عن ارتكابها وفي وضح النهار فكان المسجد الملاذ الآمن باعتقادهم بعد أشهر من أعمال العنف التي ولدت أزمة إنسانية لا سابق لها مع مئات آلاف النازحين المسلمين المرعوبين إلا أن هذه العصابات التي لا يردعها رادع أخلاقي أو ديني أو إنساني قررت مهاجمة هذا المسجد وقتل كل المسلمين الذين يظنون أنفسهم في آخر الملاذات الآمنة بالنسبة إليهم في بانغي الأمر الذي أجبر الشبان في المسجد المركزي للتسلح بالهراوات لحماية أنفسهم وعائلاتهم رغم سماعهم أصوات الرصاص تقترب منهم وتجربة ضربهم بالقنابل اليدوية من قبل عناصر الـ (أنتي بالاكا) لا تزال ماثلة في أذهانهم. لاشك أن هناك جهودا دولية كبيرة تبذل سواء كانت في إطار المنظمة الدولية والتي تبذلها الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية أو من خلال دول بعينها كفرنسا التي زار رئيسها بانغي وأكد من هناك على ضرورة "ألا تمر أي جريمة بلا عقاب" . ومع ذلك فإن فشل المجتمع الدولي على مدى العقود الماضية من منع المذابح وعمليات الإبادة في رواندا وغيرها يجعله اليوم أمام حقائق جديدة تلزمه بضرورة تجنب الفشل الجماعي الأممي مرة أخرى في إفريقيا الوسطى واستباق وقوع فظاعات تشكل عارا على الأسرة الدولية من خلال الانتهاكات الخطيرة والفاضحة لحقوق الإنسان والتي تضع مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولياته وعدم الاكتفاء بتشكيل لجنة تحقيق دولية كما فعل لأن دروس رواندا تستلزم أكثر من مجرد لجنة قبل أن نشهد إبادات جديدة وواسعة في بانغي وخصوصا في مسجدها المركزي الذي يشكل رعبا وخوفا من الموت الجائر.