14 سبتمبر 2025

تسجيل

وادي الظلمات

01 فبراير 2023

عندما سار ذو القرنين مع قومه طالباً (عين الحياة) وصل إلى (وادي الظلمات)، فوطئ جماعته بأقدامهم شيئاً دون أن يعرفوا ما هو، فسألوه عنه ؟، فأجابهم بكلام جميل: قال لهم: هذه الأرض من حمل منها شيئاً ندم، ومن لم يحمل منها شيئاً ندم. فبعضهم قال: طالما أن العاقبة هي الندامة، فلماذا نحمل؟ والبعض الآخر قال: نحمل فلن نخسر شيئاً فلمّا صاروا إلى النور، نظروا وإذا ما في أيديهم هي مجوهرات، فالذي لم يحمل منها ندم، والذي حملها كذلك ندم، لأنه لم يحمل أكثر. طوبى لمن أصلح نفسه قبل الممات العبرة من حكاية ذو القرنين، أن حياتنا أشبه ما تكون في هذه الدنيا بوادي الظلمات، وعندما نخرج من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة حيث النور الإلهي، ستنجلي الحقيقة أمام أعيننا. فالذي عمل واجتهد سوف يندم لأنه لم يعمل أكثر، وسوف يتحسر على ما مضى دون تحصيل المزيد من عظيم الثواب والأجر، وأما من لم يعمل شيئاً لآخرته، وانشغل بملذات الدنيا، فسوف يندم، ويعض على يديه، وسيصرخ باكياً: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ سورة المؤمنون الآية (99 و100)، المجال مفتوح أمامنا للعمل فلنكثر من الأعمال الصالحة ومن انشغل فليزد لكي لا يتحسر على ما فاته، والأعمال كثيرة وعديدة وتقابلنا بشكل يومي أعلاها الجهاد في سبيل الله وأدناها إزاحة الأذى عن الطريق، وما أكثرها من أعمال ما بين العبادتين. ما بين الدنيا والآخرة الإنسان بطبعه يميل إلى الملذات والاستمتاع بالدنيا، البعض منا من جعل همه الدنيا وقصر نظره عليها، وكأنه مخلد فيها، والبعض الآخر على النقيض انصرف إلى الآخرة وانقطع عن الدنيا وأهلها، وترك الدنيا لأهل الفساد يعيثون فيها ويفسدون. أما النوع الثالث وهم أهل الحق الذين توجهوا إلى الدنيا بعمارتها وإصلاحها، ومدافعة المفسدين فيها فجعلوها في أيديهم لا في قلوبهم، ونظروا إليها على أنها ممر ومحطة للتزود منها للآخرة، وأنها فانية لا تساوي شيئاً في مقابل النعيم الأبدي في الدار الآخرة، وأهل السنة والجماعة حياتهم وسط حتى في حياتهم العملية فمنهم من كان يلي القضاء، ومن كان يلي بعض المناصب، ومن كان ذا مال وسعة وفضل، لقد افترق طريق الدنيا وطريق الآخرة في تفكير كثير من الناس وضميرهم وواقعهم؛ بحيث أصبح الفرد العادي، وكذلك الفكر العام للبشرية الضالة، لا يرى أن هنالك سبيلاً للالتقاء بين الطرفين، ويرى على العكس أنه إما أن يختار طريق الدنيا فيهمل الآخرة من حسابه، وإما أن يختار طريق الآخرة فيهمل الدنيا من حسابه، ولا سبيل إلى الجمع بينهما في تصور ولا واقع، ولكن الحقيقة في عقيدتنا أن الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة، وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا، وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة، كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا، وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض، كما أنها هي وسائل الحصول على رضوان الله وثوابه الأخروي، هذا هو الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية. كسرة أخيرة إن الدنيا في نظر المسلم فرصة، ومرحلة للزرع والبذر، ومعبره نحو الآخرة، والمحدد لما سيكون عليه الحال بعد هذا بإذن الله.. دار ليكتسب فيها ويهيئ المقعد هناك والمهاد، وإذا انتهجنا المنهج الإسلامي وهو الفطرة التي فطرنا عليها الخالق سنكون قد جمعنا بين العمل للدنيا والعمل للآخرة في توافق وتناسق، فلا يفوت على الإنسان دنياه لينال آخرته، ولا يفوت عليه آخرته لينال دنياه، فهما ليسا نقيضين ولا بديلين في التصور الإسلامي، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.