14 سبتمبر 2025
تسجيلفجأة، وأنا أوشك على السقوط، في وسط الغرفة الطينية الضيقة، وجدت نفسي محاطة بنساء غريبات، نساء لم أرهن من قبل قط، كن ثلاث، كانت أكبرهن في نحو التسعين، عجوزا حقيقية، بكل تهدل العجائز، وانحناء الظهر، والسعال الداكن المتقطع، والنظرات التائهة، وانطفاء الجلد من كل أثر للحياة. كانت ترتدي ثيابا زرقاء فاتحة، وتعلق على عنقها المجعد تميمة، كانت من سمات العجائز في تلك الأيام، وغالبا تحتوي على آيات قرآنية، أو أدعية عن درء العين والحسد، أو مقاطع من صلوات النصارى واليهود إن كانت العجوز منهم. كانت الثانية، في منتصف العمر، ضئيلة الجسم، وتبدو قد نشأت في حي فقير، أو أرض جرداء، لأن قدميها كانتا حافيتين، وخشنتين، ووجهها بدا لي شبيها بوجوه الأغنام، ولا أعرف السبب، والثالثة كانت فتاة، في مثل عمري أو أكبر قليلا، كما قدرت، وتبدو من طبقة أعلى قليلا، لأن أصابعها نظيفة، أظفارها تحمل آثار طلاء جمالي، ووجهها منفعل بالحياة، برغم الكابوس الذي نحن بداخله كلنا.. جلست النساء على حصير السعف القذر في منتصف الغرفة، وجذبتني إحداهن لأجلس بدوري، وأحسست بالخوف فجأة، كنت في الأصل خائفة، والآن خائفة جدا، تمنيت لو كنت برفقة أمبيكا بسواس، أوماريكار فندوري، أو جارتي القديمة زينة، أو أي واحدة أخرى، من اللائي عرفتهن مؤخرا، أيام سرداب ساحة المجد، وتضخم لدي هاجس مرضي أن أولئك النسوة الغريبات، سيقتلنني، وبرغم أنني تمنيت فعلا أن أموت وجسدي لا يزال محافظا على عنفوانه، إلا أنني أرحب بموت أقل عنفا، أقل مشقة، مثل الموت بسم التربان، المستخلص من عشبة ضارة، وتباد به القوارض، أو بصندل الموت كما يسمونه، وهو خشب، من شجرة عطرية، لا توجد في السور ولكن في أماكن بعيدة، ويرسل غازا ساما، إن تم إحراقه، وكان يستخدم أيضا لأغراض تخص الزراعة وآفاتها. بدأت أبحث بنظرات ضائعة عن خنجر مدسوس هنا أو هناك، عن حبل قوي قد أخنق به، عن سواعد أقوى من ساعدي، وبدت لي كل السواعد، بما فيها ساعد المرأة التسعينية، قوية وقوية جدا.قالت الفتاة فجأة، وكان صوتها جافا إلى أقصى حد، ربما لم يكن صوتها، وجفف خصيصا لمناسبة إيذائي، لم أكن أعرف ولا أستطيع أن أعرف:* أنا نجيمات..أشارت للمرأة متوسطة العمر، رددت:* هذه الخالة منحدرة.. ثم إلى المرأة العجوز: وهذه سيدتنا أم الطيبات.كانت أسماء غريبة للغاية، ولنساء مختلفات تماما، ولا يتفقن إلا في تغطية الرأس والثياب الزرقاء التي انتبهت إلى أنها من قماش واحد، لابد قسم عليهن، نجيمات، اسم غريب، على السور، لا أعتقد بوجوده، خاصة في الجيل الذي أنتمي إليه وتنتمي إليه الفتاة أيضا.. منحدرة، اسم كبير، ومخيف، لم أسمع به قط، وأم الطيبات، سمعت به، وكان داخل قصة أسطورية، حكتها لنا إحدى الجدات ونحن أطفال ما نزال: كانت أم الطيبات التي داخل القصة، امرأة عجوزا أيضا، وكانت طيبة، رقيقة القلب، يحتمي بها الأطفال إن خافوا، وتطعمهم في لحظة الجوع، فقط كانت تتحول إلى ضبع في الليل، يطارد الأطفال أنفسهم، ويلتهم من يقنصه.