14 سبتمبر 2025
تسجيلتجاوز الشعب المصري بإرادته وحركته وإصراره ودماء الشهداء، كل ما كنا نأمل ونتوقع نحن المؤمنين بأن الشعب وحده القادر على الحركة من أجل التغيير وتحقيقه. أيام أو هي ساعات خلال تلك الأيام، نقلت الحركة من يوم الغضب في 25 يناير، إلى جمعة الشهداء في يوم 28 يناير، وخلال خمس ساعات من بعد صلاة جمعة الشهداء، كان ملايين المصريين يزيحون نظام مستبداً، متجاهلاً لكل قيم الشعب وتاريخه، جثم على صدر مصر لمدى 30 عاما، في ثاني ثورة شعبية في الوطن العربي خلال شهر يناير، وكأن الأمة العربية في موعدها مع يقظة الشعب وثورته. فرط نظام مبارك في حقوق الشعب وثروته، واستهان بقدرة الشعب على الثورة، واكتفى بوضع القوة الغاشمة المتمثلة في الأمن المركزي وأوامر القتل المتاحة لقياداته، وكتائب أمن الدولة بالملابس المدنية، وتشكيلات البلطجية التابعة لها، في مواجهة الشعب وكأن هذا النظام المنصرم كان يقول: "ليس للشعب لديَّ سوى القتل". غاب النظام عن الوجود وعن استيعاب الأحداث، وعندما نطق، كان يعلن شهادة وفاته، حيث أصدر رئيس الجمهورية بصفته الحاكم العسكري قراراً بحظر التجول ونزول الجيش المصري لمواجهة "أعمال الشغب والخروج على القانون وأعمال النهب والتدمير والحرق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة"، نص كان بمثابة شهادة الوفاة للنظام، وبعده يخرج مبارك على الشعب في منتصف الليل ليعلن إقالة الوزارة، وليرفض الشعب التفاف الرئيس على مطالبه، ويعلنون أن دم الشهداء ثمن لتغيير النظام وليس تغيير الحكومة، ويرتفع هتاف الجماهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، ويكتشف الجميع أن المبادأة انتقلت إلى الجماهير المحتشدة في كل مصر. وتتوالى الأحداث: - قوات الأمن المركزي التي ظلت تمارس قتل المتظاهرين في كل المحافظات تنسحب من المشهد، وتغادر الساحة في كل الأماكن بعد المقاومة الرائعة التي بذلها المتظاهرون، وبعد سقوط ما يقرب من 200 شهيد وتجاوز أعداد المصابين الثلاثة آلاف مصاب. - الجيش ينزل إلى الشارع، ويصطدم المتظاهرون ببعض طلائعه عندما وجدوا أنها من تشكيلات الحرس الجمهوري، ويتعدل المشهد، عندما تصل تعزيزات من وحدات أخرى، ويكتب عليها المتظاهرون "يسقط حسني مبارك" ويتعانق الشعب مع أفراد الجيش المصري، وتبيت الجماهير في ميدان التحرير، رافضة الرئيس مبارك وتطالب برحيل النظام. - هجوم الجماهير في كل المدن والأحياء على مظاهر وجود الداخلية والحزب الوطني، واحتراق العديد من أقسام الشرطة، وحرق مبنى الحزب الوطني على كورنيش النيل، إعلاناً باحتراق هذا الحزب المسؤول عن كل ما أصاب مصر خلال فترة حكم مبارك. وتأكد أن الجماهير في كل المحافظات تسيطر على الموقف، وأن النظام يسقط. وتبدأ عمليات حرق الأرض، وكأن هذا ما تعلمه النظام من درس الثورة التونسية، وتنتشر عمليات البلطجة والاعتداء على الممتلكات والأشخاص، والهجوم على المنازل الآمنة، ومهاجمة المتحف المصري ومطبعة البنك المركزي، ويتجلى الدرس التونسي في تشكيل لجان شعبية للدفاع عن مصر وفي كل المحافظات، ويصل المشهد إلى ذروته في إطلاق المساجين من السجون بنفس الأسلوب التونسي وكأنها مدرسة واحدة في حرق الأرض وتدمير الوطن. يكرر الغرب وأمريكا ذات الموقف مع تونس، ولكن ثورة الشعب المصري فرضت نفسها على البيت الأبيض وعلى كافة الحكومات الغربية، وهو ما يجب أن نتحسب له، لأن معيار القبول هو الموقف من إسرائيل. ولأن نظام مبارك كان صديقا استراتيجيا لإسرائيل، فهذا واحد من المخاطر المتوقعة على حركة الشعب. لم يعد الأمر المطلوب مجرد حماية الممتلكات من النهب، ولكن المطلوب اليقظة والانتباه لاحتمال مواجهة أفعال إسرائيلية داخل مصر، مما قد يفرض على اللجان الشعبية أن تتحول إلى لجان مقاومة شعبية. وينتقل الموقف من يوم للغضب إلى جمعة الشهداء، ومن غياب للدولة إلى سقوط النظام. سقط الرئيس وسقط معه مشروع التوريث بعد أن سحب الشعب تفويضه له، ولم تعد تفلح الكلمات الشعارية الجوفاء، وعدم اتخاذ المواقف وترك القضايا دون حل ليتكفل بها الزمن، واسترد الشعب النظام الجمهوري بعد أن كان قد تحول إلى نظام الأسرة الحاكمة. سقط الحزب الوطني وعناصر الإفك التي كانت تتخذ منه ستاراً للنهب، السياسي والمادي، وحرقت الإرادة الشعبية وجوه، كما حرقت مقاره بما فيها المقر الرئيسي له، وصارت محاكمة قياداته جميعها وفي كل المحافظات بتهمة الإفساد السياسي والتزوير أحد مطالب الحركة الشعبية. انكشفت حقيقة المجالس المزورة وسقطت سواء على مستوى المحليات أو التشريعية، وصار الواجب حلها، والتحقيق في حقائق التزوير الذي أدى إلى وجودها، وتقديمهم إلى المحاكمة. تجاوزت حركة الجماهير الدستور القائم، والقوانين الناتجة عنه، وصارت إرادة الجماهير هي مصدر الشرعية. بدأت الفئران تهرب من مركب النظام الغارق، وببلاهة وكذب وجهالة يصدر عن الحزب الساقط بيان بقبول استقالة أمين تنظيمه، وبقي سؤال: أين هو هذا الحزب لكي يقبل أو يرفض؟ إن حزب سرقة الوطن، الحزب المحروق. وتحولت حركة الشعب إلى حركة تحرير الوطن وبناء نظام جديد، واستعادة مصر الوطن لكل الشعب وليس لتحالف سلطة شاخت وثروة وطن منهوبة. وتم تجاوز الخوف من الموت، ونزع سلاح القتل من يد الأمن، والذي لم يتوقف عن القتل حتى مساء السبت 29 يناير، حيث كان القناصة يحتلون سطح وزارة الداخلية، وكانت رمايتهم رماية قتل في الرأس والصدر. كذلك تم تجاوز احتمالات الفوضى التي جرى التهديد بها، وظهر للمراقبين أن الفوضى بقدر ما أنها جاءت من بلطجية، فإن عناصر من الداخلية كانت تمارس الاعتداءات على الممتلكات والأفراد حتى أنه أذيع على الفضائيات خبراً عن القبض على أفراد شرطة في سيارة ينقلون عدداً من الجثث، وتكررت مشاهد سيارات الإسعاف التي يستخدمها عناصر من الأمن ويطلقون منها الرصاص. تجاوز الخوف من القتل والقبول بالشهادة، وحصار الفوضى باللجان الشعبية جعلا الوقت معاملا لصالح حركة الثورة الشعبية، وطالما أن الحركة تملك زمام المبادأة، فإن هدوء الثقة يضيف عاملا جديدا من عوامل القوة لحركة الشعب. ويحاول النظام المنهار أن يلتف من جديد، بتعيين نائب رئيس ويختار رئيس وزراء، وكأنه يملك مقومات البقاء، وكأنه لم يخرج بضعة ملايين من شعب مصر في كل المحافظات ترفض هذا النظام وتعلن سقوطه، وهنا ليس المطلوب القياس أساسا على ما يقوم به النظام، ولكن ما الذي نملك أن نفعل؟ ونلاحظ أن الكيانات الحزبية والجماعات تحاول أيضا أن تكون مصدرا للقرار، وهو أمر غير مرفوض، ولكنه يبين أن هناك احتياجا من قوى الحركة الشعبية والشبابية من غير الأحزاب، أن تعبر عن إرادتها وتصورها لمشروع التغيير، ومن بين المطروح من رجال يمكن اعتماد أن الدكتور البرادعي أقرب الأشخاص إلى التعبير عن هذه الحركة الشعبية، وتبدو الأحزاب وجماعة الاخوان في حديثها ومحاولاتها في الانقضاض على الحركة، أنها لا تدرك معنى الدم الذي بذله الشعب، وأعتقد مع كامل الرغبة في توحيد جبهة القوى السياسية، أن الأحزاب وجماعة الاخوان قد سقطت جميعها مع النظام ذاته، وتجاوزتهم حركة الشعب من أجل التغيير، وادراكهم لمعنى الجديد الذي يحدث سيغير من سلوكياتهم وقد يبرر وجودهم. تتمثل مصادر القوة لدى النظام الساقط في الجيش المصري والشرطة. الجيش المصري والصراع بين الشعب والنظام على انتماء الجيش لمن؟ هل هو للشعب أم لشخص الحاكم، وحتى اللحظة يمثل الجيش ضمانة الأمن والحماية لحركة الجماهير من أجل التغيير، وهو ما يمكن الاعتماد عليه لتحقيق التغيير السلمي. والشرطة وبالتبعية وزارة الداخلية تتعرض لاتهامات شديدة من جراء ممارساتها بين الثلاثاء إلى الجمعة الساعة السادسة. قامت قوات الشرطة بالقتل العمد للمتظاهرين العزل وقامت بمخالفة أمر الحاكم العسكري بمعاونة قوات الجيش لحفظ الأمن وانسحابها غير الشريف وترك الأقسام والسجون دون تسليمها إلى الشرطة العسكرية والتحقيقات العسكرية. كما خالف الوزير ومعاونوه وضباط الداخلية القسم بالحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، وهروبهم وخروجهم من الشارع مهزومين، هو الخيانة العظمى وإلا فما معنى الخيانة العظمى. ويبقى سؤال ما هي معادلة عودة قوات الشرطة إلى العمل في ظل ظروف عدم الاستقرار، ومن سيقود هذه المؤسسة؟ هل هو الوزير المتهم بجرائم القتل والخيانة العظمى. تعود الشرطة للعمل في إطار معادلة أصابها الخلل مع أفراد الشعب الذين قاموا بدورها أثناء هروبها في حفظ الأمن، هذا غير أنها تعود غير مميزة عن مجرمين وبلطجية سرقوا سياراتها وزيها الرسمي وأسلحتها، كل ذلك ليمارسوا النهب والقتل، فمن منهم الشرطي ومن منهم المجرم؟ لقد خرجت الشرطة من الشارع مهزومة وها هي تعود للشارع مهزومة بتحديد سلطاتها في عدم الاقتراب من ميدان التحرير وعدم التعرض للتجمعات والتظاهرات. هذا ما تواجهه ثورة الشعب المصري، ومازالت المهام أمامها، ومازالت في بداية خطواتها الأولى إلا أنها حققت إنجاز إسقاط النظام وكشف عوار أسلوب مواجهته للأزمات، ونجح هذا الشعب أن يؤكد حقيقة قدرة الشعب على الثورة، ونجح الشباب في الوجود رغم هزيمة وتكلس كل الأحزاب والجماعات ويبقى أن مطالب التغيير ليست نوعا من الكهنوت، الكل تحدث عنها والجميع عرض لها، ولكن البحث كان كيف يمكن التحرك؟ ونجح الشباب العظيم في إتمام التحرك بداية، وقبل الشعب بدفع ثمن الحرية ويدفعه، كلنا نريد أن ندفعه. ليت كل المتكلمة أن يشاركوا الشباب والشعب الثائر الحركة علهم ينجزون شيئاً في حياتهم. المعادلة الآن هي الشباب كرأس رمح لثورة الشعب، وقد اختار الشباب البرادعي شريكاً له، في مواجهة النظام والمعارضة والجماعة.