10 سبتمبر 2025
تسجيلإبان حملته الانتخابية في 2020، تمحور خطاب بايدن في السياسة الخارجية على مجموعة ركائز أساسية، كان أبرزها التصدي للتحدي الصيني، وعودة القيم الأمريكية في السياسة الخارجية (الترويج للديمقراطية)، وترميم العلاقات مع الحلفاء التقليديين، ومواجهة الإرهاب. نجح بايدن بصورة ملفتة خلال العام الأول من ولايته في ملف ترميم العلاقات مع الحلفاء، ومع حلف الناتو. حيث نجح في إقناع الحلفاء في توسيع الشراكات وإقامة تحالفات جديدة في سياق سياسة التحالفات التي ينتهجها، وتحت شعار «تحالف الديمقراطيات». وفي سياق هذا الشعار المتواري تحت سياسة نشر الديمقراطية، قلص بايدن من اتصالاته مع الدول التي يصنفها بغير الديمقراطية خاصة في المنطقة. وعلى مستوى التصدي للنفوذ الصيني، يمكن القول، إن بايدن نجح نسبيا في جذب خصوم الصين إلى المدار الأمريكي، وتأسيس تحالفات جديدة في المحيط الهادئ كتحالف «أوكوس» النووي. فضلا عن إقناع بعض الدول الغربية في تضييق فجوة العلاقات مع الصين خاصة فيما يتعلق بالشراكة عبر مبادرة «الحزام والطريق». وعلى مستوى ملفين رئيسيين لبايدن وهما مواجهة الإرهاب وملف البرنامج النووي الإيراني، فقد بدا الإخفاق الرهيب لبايدن في معالجتهما، حيث الهرولة من أفغانستان وتركها تماما لحكم طالبان. وكذلك، تعثر مفاوضات عودة الاتفاق النووي. ويتبدى مما سبق، أن جل تركيز بايدن كان على التهديد الصيني، وأن باقي الملفات الأخرى تخدم هذا الغرض بصورة أو بأخرى. وهو ما يفسر إلى حد بعيد نجاح بايدن في التصدي للتهديد الصيني، وإخفاقه الشديد في الكثير من الملفات بعد عام 2021. ويعد عاما 2022 و2023، الأكثر تحدياً لبايدن، حيث الحرب الروسية على أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة. واللتين على إثرهما، قد أربكتا توجهات بايدن في السياسة الخارجية، وكشفتا النقاب عن النوايا الحقيقية للسياسة الأمريكية، وعدد من التحديات العسيرة. تباينت الآراء بشدة في مسألة تقييم فعالية الدور الأمريكي في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا. إذ يرى البعض أن دور واشنطن كان ضعيفا للغاية، حيث لم تتدخل عسكريا عبر الناتو للتصدي للغزو أو إجبار بوتين على التراجع. بينما يخالف البعض الآخر ذلك، بالقول إن الغزو أعاد التركيز الأمريكي على أوروبا بحسبانه الضامن الرئيسي لأمن أوروبا، كما قادت أوروبا فعليا على المستوى الاقتصادي لمواجهة روسيا، ودعم أوكرانيا عسكريا. وفوق كل ذلك، ساهم الغزو وبقيادة واشنطن في ترميم الخلافات داخل حلف الناتو. ومع ذلك، لإجراء تقدير موضوعي لذلك، ينبغي تفحص عدة معطيات أخرى ناجمة عن الغزو، ومن أهمها، إعادة التفكير الأوروبي في الاستقلالية الدفاعية، ففي أعقاب الغزو صدق المجلس الأوروبي على ما يسمى «البوصلة الإستراتيجية» التي أشارت بوضوح إلى ضرورة اعتماد الأوروبيين على أنفسهم في مسألة الدفاع والأمن في أوقات الضرورة بعيدا عن مساندة الناتو والولايات المتحدة. وفي نفس الإطار، نجد أن ألمانيا قد رصدت ميزانية ضخمة لإعادة تسليح نفسها، وامتدت تداعيات الغزو إلى اليابان التي حذت حذو ألمانيا. وتشي خطوات الأوروبيين وحلفاء واشنطن التاريخيين كاليابان التي تعتمد كليا على واشنطن لحماية نفسها، تشي باتساع هوة عدم الثقة في واشنطن بشأن الحماية لاسيما التصدي للتهديد النووي لروسيا. إذ في خضم تغول التوسع الروسي في أوكرانيا، صرح بايدن صراحة أن واشنطن ستتدخل عسكريا إذا هاجمت الصين تايوان، رغم أن الصين نووية وأشد قوة عسكريا بأشواط من موسكو. حرب إسرائيل على غزة، تعد من أكبر التحديات الكبرى التي تواجه بايدن. فعلى إثر الدعم المطلق لواشنطن لجرائم إسرائيل في غزة، تدهورت صورة الولايات المتحدة في العالم بصورة كبيرة، كما مثَّل ذلك مقتلا رهيبا لأجندة بايدن المزعومة لنشر الديمقراطية، التي تستخدم أيضا للضغط على الصين وتشويه صورتها الدولية. والحرب أيضا تمثل تحديا كبيرا لبايدن فيما يتعلق بالتركيز العسكري لواشنطن في المنطقة، ودعم أوكرانيا، ومواجهة التحدي الصيني، ومسار المواجهة مع إيران. فالتركيز العسكري المفرط لواشنطن في المنطقة، سيؤثر حتما على الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما بدأ يتبلور بالفعل، حيث ألغى الكونجرس مساعدات إضافية لأوكرانيا كانت مقررة ضمن مشروع الإنفاق الدفاعي الجديد. وعلى نحو آخر، سيقلص هذا التركيز مسألة مواجهة الصين في المحيط الهادئ، ودعم حلف الناتو، وصفقة الاتفاق النووي مع إيران. مما سبق، يتكشف لنا أن هاجس وهم بايدن الأساسي في السياسة الخارجية هو التصدي للصعود الصيني. ولاستمرار نجاحه النسبي في ذلك، يجب أن يتغلب على عدة تحديات رئيسية، برزت بجلاء عبر تعاطيه مع حرب غزة. وأهمها، التوقف عن الدعم المطلق لإسرائيل والتخفيف من التركيز العسكري في المنطقة، إعادة التركيز بشكل أكبر على الحلفاء الرئيسيين وإعطاؤهم المزيد من الضمانات والمشاركات العسكرية الفعالة، الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكريا، التركيز على قضية التغير المناخي وانتزاع دور الريادة فيه للتخفيف من الإخفاق المذهل في ملف نشر الديمقراطية، والتصدي بحسم للاستفزازات النووية لكوريا الشمالية.