13 سبتمبر 2025

تسجيل

السعودية واستيلاؤها على الحجاز

31 ديسمبر 2017

رأينا في المقال السابق أن ابن سعود وجه نصال الغدر والخيانة لأول دولتين آوتاه بعد تشرده في البادية. ورأينا كيف قام بتسكين أهل البادية في قرى، وقام بعمل غسل لأدمغتهم، من خلال المطاوعة، ليستعين بهم في حروبه لتوسيع مملكته، وكيف استطاع "إخوان من أطاع الله" (الإخوان) في ترويع وتخويف القبائل المحيطة بمملكة نجد من بطشهم وأفعالهم غير الإنسانية. ومع أن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ابن سعود) قام بتوسيع مملكته لتشمل جزءاً كبيراً من نجد وصولاً إلى الخليج العربي، إلا أن شهيته في ضم أراضي الغير لم تتوقف. ففي الوقت الذي استمر ابن سعود في مناوشة الكويت كانت جيوشه المكونة في غالبيتها من "الإخوان"، بقيادة ابن عمه عبد العزيز بن جلوي، تتوجه نحو عسير. وبعد معركة شرسة، أبدع فيها "الإخوان" في أشكال القتل والتنكيل، استسلم أمير عسير وبايع ابن سعود بالبقاء في صفه إذا تركه يعود لعسير. وقام ابن سعود بتعيين سعد بن عفيصان أميراً على عسير. وبعد عسير تغير لقب ابن سعود من أمير على نجد إلى "سلطان نجد والأراضي الملحقة". بعدها توجه جيش "الإخوان"، بقيادة فيصل الدويش، إلى حائل وتقابل مع جيش ابن رشيد في النيصية. فما كان من ابن رشيد، بعد إبادة معظم جيشه من قبل "الإخوان"، إلا أن تراجع وتحصن خلف أسوار حائل. وبعد حصار خانق لحائل تم رضوخ ابن رشيد لابن سعود، وبه سقطت إمارة جبل شمر. توجه جيش ابن سعود "الإخواني" لإمارة شرق الأردن، التي كانت تساندها بريطانيا، ودخلوا معها في حرب انتهت بهزيمة "الإخوان"، وتوقيع معاهدة العقير. وفي هذه الأثناء، وبتشجيع من ملك الحجاز، قام ابن عايض أمير عسير بثورة ضد حكم ابن سعود، وقام بمحاصرة الأمير المكلف على عسير من ابن سعود في أبها وانتزع منه السلطات. جهز ابن سعود جيشاً قوامه أربعة آلاف من "الإخوان" بقيادة ابنه فيصل (قيادة صورية في حين أن القيادة الحقيقية كانت لخالد بن منصور بن لؤي العبدلي أمير الخرمة الأسبق)، وفي الطريق انضم إليه حوالي أربعة آلاف مقاتل من القبائل الأخرى التي كانت تطمح إلى السلب والنهب. وهزموا ابن عايض الذي توجه إلى جبال حرملة الحصينة، ولكن "الإخوان" لحقوا بهم إلى حرملة المنيعة التي لم تصمد أمام "المجاهدين" من "الإخوان" الذين صعدوا إليها وقاموا بقتل من فيها، وهدموا قصورها، ونهبوا ما فيها. وصادف عودتهم إلى أبها وجود فرقة من الجيش الحجازي جاءت لنجدة حليفهم، ولكن "الإخوان" قتلوا جميع أفراد هذه الفرقة. وبه تم ضم عسير إلى حكم آل سعود. وأعلن محمد بن علي الإدريسي مؤسس دولة الأدارسة تحالفه مع ابن سعود ضد القوات اليمنية، ولكن بعد سنة، وبعد أن عرف شهية ابن سعود الكبيرة وأنه سيبتلع بلاده، أخرج نفسه من التحالف وانضم إلى تحالف مع دولة المتوكلية (شمال اليمن)، وحدث صدام فتدخلت بريطانيا، حليفة الكل هناك، وقسمت منطقة الأدارسة إلى قسمين. فدخلت منطقة جازان من ضمن أراضي ابن سعود أما الحديدة فذهبت إلى اليمن.  ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي بأن ملك الحجاز قد منع أهل نجد من الحج. ولأنه لا يجوز دخول الحرم المكي بنية القتال، فلذلك قام ابن سعود بعقد مؤتمر حضره علماء نجد، ورؤساء القبائل والقرى، وزعماء "الاخوان"، وحصل بموجبه على فتوى شرعية لشن الحرب على ملك الحجاز لضمان حرية أداء فريضة الحج. وهذا يعني السماح "للإخوان" بغزو الحجاز. وفي 1924 تحركت جيوش "الإخوان" بإتجاه الطائف، وخرج الجيش الهاشمي لصدهم، وتقابلوا في "الحوية". ولكن الجيش الهاشمي تراجع تحت ضغط "الإخوان"، الذين أرعبوهم بصيحاتهم "هبت هبوب الجنة وين أنت يا باغيها .. اياك نعبد واياك نستعين"، واعتصموا بالمرتفعات في الطائف. ووصلت النجدة لهم من مكة ولكن جيوش "الإخوان" قضت عليهم، واستباحوا الجيش الهاشمي، وقتلوا غالبية منتسبيه. دخل "الإخوان" إلى الطائف فنهبوا القصور والبيوت والمحلات، وارتكبوا المجازر في عدد كبير من أهل الطائف لدرجة أن أحد المصادر ذكر "أن دم الطائفين وصل إلى الركب". وهذه دلالة على كثرة القتلى منهم بيد "الإخوان". وبدأ استعداد "الإخوان" للتوجه إلى مكة، ولكن ابن سعود طلب منهم التوقف حتى وصوله من الرياض، والبدء بمخاطبة القناصل الأجنبية برغبتهم بالدخول إلى مكة. أراد ابن سعود بهذه الحركة تحقيق نصر عسكري وآخر سياسي. وكل القناصل (بريطانيا، إيطاليا، فرنسا، هولندا، وإيران) ردت بأن هذا لا يعنيهم، وأنهم على الحياد التام ازاء حرب ابن سعود والهاشميين. وفي نهاية أكتوبر 1923 دخل ابن سعود وجيشه إلى مكة (تقول الكثير من المصادر أنهم دخلوا مكة محرمين). ومع أن دخولهم إلى مكة لم يواجه بأي مقاومة من أهلها، إلا أن ابن سعود سمح "للإخوان" بنهب دور "المشركين" (أهل مكة) لمدة ثلاثة أيام، تم تمديدها لخمسة أيام. وبعد أن استتب الأمر لهم في مكة توجهوا إلى جدة وحاصروها، وفي الأخير، في 1925، استسلمت مع الخروج الآمن للهاشميين، والأمان لأهلها. تحرك بعد ذلك فيصل الدويش شمالاً إلى المدينة المنورة وعند وصوله قام بالإغارة على أحد معسكرات الهاشميين، وقتلوا منهم 200 رجل، وأخذ كل ماطالت يده من طعام وذخيره. بعدها قام الدويش بحصار المدينة التي وافقت على الإستسلام بشرط حضور ابن سعود، أو أحد أبنائه. وحضر محمد بن عبدالعزيز (تم تعيينه أميراً على المدينة بعمر 15 سنة)، وتسلم مفاتيح المدينة. ودخل على إثرها "الإخوان" المدينة وعاثوا فيها نهباً وسلباً وحطموا كل القباب، والشواهد على القبور، وحاولوا نبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه رضي الله عنهما، لأنه لا يجوز وجود المقابر في مساجد المؤمنين. وبعد أن استتب الوضع لابن سعود في الحجاز قام بتغيير مسماه من سلطان مملكة نجد وملحقاتها، إلى ملك مملكة نجد والحجاز وملحقاتها. وبعد إحتلال المدينة المنورة، "والإخوان" لا يزالون فيها، أقبل المحمل المصري فدخل المدينة تتقدمه الفرقة الموسيقية. طلب "الإخوان" منهم وقف العزف لأن ذلك حرام، ولكن المصريين واصلوا عزفهم، فقام "الإخوان" بإطلاق النار عليهم، وقتلوا بعضهم. ترتب على ذلك قطع العلاقات والتوقف عن نسج كسوة الكعبة. توجه الجيش "الإخواني"، بعد ذلك، إلى جنوب العراق وبدأوا في السلب والنهب وقتل المدنيين ولم يدحرهم سوى سلاح الجو البريطاني، وأجبرهم على التراجع. طلب ابن سعود من "المطاوعة" إصدار فتوى تنص على أن "مسألة الجهاد متروكة إلى الإمام (يقصد نفسه) وعليه أن يراعي ما هو أصلح للإسلام والمسلمين". وعلى أساس هذه الفتوى أوقف ابن سعود جموع "الإخوان" الذين كانوا يستعدون لمواصلة جهاد "المشركين" بأطراف العراق. ومن هنا بدأت المشكلة بين ابن سعود "والإخوان". وفي الختام وجدنا أن "الإخوان" كانت هي القوة الضاربة لابن سعود، ولولاها لما استطاع أن يقوم بتوسيع مملكته لتصل إلى اليمن جنوباً وأطراف العراق شمالاً، ولكن هذه القوة أصبحت غير مطلوبة، وبخاصة أن ابن سعود يريد تغيير اسم مملكته. في المقال القادم، إن شاء الله، سنرى كيف تصادم ابن سعود مع "الإخوان". والله من وراء القصد ،،