14 سبتمبر 2025
تسجيلفي البداية نؤكد أنه ليس لدينا اعتراض للتفريق بين المدني والعسكري، ولكن وللأسف فإن عملية التفريق قد نسفت عدة مواد من الدستور القطري، فالمادة (19) تؤكد أن تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين. أما المادة (20) فهي تنص على أن تعمل الدولة على توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة، في حين أن المادة (34) تؤكد أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، وغيرها من المواد وهذا يعني الالتفاف على الدستور وتفريغه من محتواه، وعليه فإنه ليس من العدل أو الإنصاف التمييز بين المتقاعدين المواطنين في استحقاقاتهم، مما يعني أن ظلماً كبيراً سيصيب فئة من الفئات. إن العدالة من جهة، وتعليمات الدستور من جهة أخرى، هي أن يكون هناك نظام واحد للمتقاعدين، لا عدة أنظمة، إن تقسيم المتقاعدين القطريين بهذا الأسلوب عمل غير دستوري، وإن ما يخالف الدستور من قوانين، ومراسيم، وقرارات، يعتبر في حكم الباطل. ومع كل ذلك صدر قانون رقم (13) لسنة 2006 بشأن تقاعد ومعاشات العسكريين، والقانون في مجمله يحمي حقوق العسكري من لحظة التحاقه بالعسكرية حتى خروجه منها، فالقانون حدد سنوات خصم الاشتراكات بعشرين سنة، ولا يستمر بالدفع للهيئة طيلة عمره الوظيفي، كما هو الحال بالموظف المدني. والقانون لم يحرم العسكري من مكافأة نهاية الخدمة، فهو يستلمها كاملة غير منقوصة وهي تحسب كما يلي: 1- راتب شهر عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس الأولى، 2- راتب شهر ونصف عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس التالية. 3- راتب شهرين عن كل سنة مما زاد على ذلك. ويعتبر آخر راتب تقاضاه الموظف أساساً لحساب هذه المكافأة، والميزة الأخرى لهذا القانون أن لجنة التقاعد العسكري كما ذكر بالمادة (10) لها الحق في اقتراح منح معاشات استثنائية، أو زيادة المعاشات المستحقة، ولكن تم ظلم العسكريين بشكل كامل عندما تم خصم الاشتراكات السابقة المستحقة على العسكري الموجود في الخدمة في تاريخ العمل بهذا القانون (ومن ضمنهم من كان على قوة الاحتياط حسب المادة (32))، بما لا يجاوز عشرين سنة، وذلك من المكافأة المستحقة له، أو الباقي منها بعد خصم القروض التي منحت بضمانها، ويؤدي إليه ما تبقى منها، وعليه سداد الفرق إن وجد. وبناءً عليه فقد واجه العسكريين مشكلة في تطبيق هذا الأمر، فالبعض منهم دخل في دوامة القروض لتسديد ما عليه حتى لا يحرم من المعاش التقاعدي، والبعض الآخر أصبح مهموماً لا يعرف كيف يدبر القيمة المطلوبة، والبعض الذي كان يعتقد أنه محظوظ تم خصم المبلغ بشكل أقساط من الراتب الذي يستلمه شهرياً، والذي هو أصلاً لا يكفي متطلباته الشهرية آنذاك. المهم أن الحكومة خلقت على المواطنين ضغوطاً مالية وأخرى نفسية بدون داع، وبعد أن شفط القانون تلك الحقوق والأموال وجدناه يفرق بين العسكري المتقاعد قبل القانون وبعده، فقد نصت المادة (20) على أن "تستمر جهة العمل في صرف راتب المحال إلى الاحتياط قبل تاريخ العمل بهذا القانون، وفي حالة وفاته يصرف المعاش للمستحقين عنه من الصندوق"، وهذه المادة تنقسم إلى قسمين، القسم الأول "تستمر جهة العمل في صرف راتب المحال إلى الاحتياط قبل تاريخ العمل بهذا القانون". فقد وجدت هيئة التقاعد أن الأموال التي وردت لها لا تكفي لتوفير معاش تقاعدي لهم فطلبت من جهات عملهم الاستمرار بصرف الراتب لهم حتى وفاتهم، وهنا صارت إشكالية في تفسير هذا الجزء من المادة، فجهات العمل فسرتها بصرف الراتب الأساسي والعلاوة الاجتماعية، كما يصرف للمتقاعدين، والهيئة ترى غير ذلك فتمت مخاطبة إدارة الفتوى والتشريع، عندما كانت تابعة لوزارة العدل، بالموضوع، فجاء الرد صادماً لجهات العمل، حيث أفتت اللجنة بصرف الرواتب لهؤلاء الاحتياط كأنهم على رأس عملهم، وهذا يعني صرف الراتب الأساسي وجميع العلاوات والبدلات التي تصرف للعسكريين، ولكن تم التكتم على هذه الفتوى، ولم يستفد منها العسكري، وظل يستلم الأساسي والعلاوة الاجتماعية فقط، أما الشق الثاني فهو "وفي حالة وفاته يصرف المعاش للمستحقين عنه من الصندوق"، وكما هو معروف من الدراسات الدولية أن متوسط عمر القطريين، في 2020، هو 7ر80 سنة (متوسط عمر الذكور القطريين 8ر79 سنة أما الإناث القطريات فهو 5ر82 سنة)، وهنا تأتي كلمة "المستحقين"، وهي الكلمة المرادفة للإعالة، فمن هم الذين يقعون تحت إعالة من في هذه السن حتى يستفيد من معاشه التقاعدي، وبعبارة أخرى لن يستفيد أي أحد من معاش المتوفى سوى أرملته، إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، أو هيئة التقاعد الملاذ الأخير لأموال المتقاعدين، النقطة الأخرى التي يعاني منها من حول للاحتياط قبل القانون أنه يعتبر على رأس عمله، ولا يحق له العمل في أي جهة إلا بعد الموافقة من الجهة العسكرية، وهنا تحدث المشكلة، فالعسكري الذي عمل في الجهات المدنية عندما يحول للتقاعد فهو لن يستلم سوى راتب الاحتياط فقط مما سيقلب حياتهم، ومستوى معيشتهم (أعرف أشخاصاً رواتبهم الحالية فوق 100 الف ريال شهرياً، ولكنهم عند التقاعد لن يستلموا سوى راتب الاحتياط الذي يقل كثيراً عن ذلك). وفي الختام نقول إن المتقاعد العسكري يشاطر أخاه المدني في تقلص قيمة المعاش الشرائية بسبب التضخم، وغلاء الأسعار، ويشاطره أيضاً في عدم القدرة على استبدال أي جزء من معاشه كسلفة، كما حددتها المادة (25)، مع العلم أن لائحتهم التنفيذية، التي يحتجون بها، قد صدرت وتم تطبيقها. إن العتب الأكبر، كما أراه، يقع على مجلس الشورى الذي يمثل جميع المواطنين في قطر، فجميع القوانين تمر من تحت سقف هذا المجلس، فلماذا لم يقم أعضاؤه الكرام بتدارس الجوانب السلبية من تلك القوانين، وأثرها على المواطن مستقبلاً؟ والعجيب أن هذا المجلس لا يزال صامتاً، ولم يتحرك أي خطوة فعالة، في نصرة هؤلاء المتقاعدين الذين يعانون من الظلم والقهر، وعليه فإنه ليس بغريب أن يعاني القطري المتقاعد، سواء كان مدنياً أو عسكرياً، من الهم والجزع والخوف، زيادة على هم ارتفاع الرسوم والأسعار، وهم المعاناة اليومية. والله من وراء القصد،، [email protected]