29 أكتوبر 2025
تسجيلتبني برامج لزيادة مساهمة القطاع الخاص بطبيعة الحال، الاقتصادات حالها حال السلع والأسواق والأزياء وغيرها مما يخضع كل عام لمستجدات وتطورات.. غير أن الاقتصادات، كونها تمس حياة البشر على نحو أوسع وأشمل، عادة ما تخضع لتقييمات جادة وشاملة ومتأنية مع بداية كل عام بغية التعرف على مساراتها ومدى حاجتها لإجراءات تحفيزية أو معالجة جوانب قصور محددة لكي تؤدي دورها في رفاهية البشر وتحسين معيشتهم. واللافت للنظر عند الحديث عن متغيرات وتوقعات الاقتصادات الخليجية في مطلع كل عام، نجدها أنها تكاد تخضع لنفس المتغيرات مع شبه تكرار للتحديات الجوهرية التي تواجهها. ويعود ذلك إلى أن هذه التحديات هي ذات طبيعة طويلة الأجل. والحصيلة أن هذه التحديات باتت تتجمع لخلق ضغوط تفرض، أول ما تفرض – ضرورة وضع المنهج السليم للتعامل معها، والتعرف على الإمكانات والموارد المتاحة، وكيفية توفير السياسات والمستلزمات الضرورية لمواجهتها. ورغم أن إيرادات النفط، وهي المتغير الرئيسي المؤثر في الاقتصادات الخليجية، بدأت في الوقت الحاضر بالتعافي بصورة نسبية ويرسم لها سيناريو أفضل في عام 2018 (يضعها كمعدل فوق مستوى 65 دولارا للبرميل)، إلا أن خبرة الماضي أظهرت أن أسعار النفط قد تتدهور دون سابق إنذار وحتى دون مقدمات اقتصادية سليمة. وهذا يلقي بظلاله على توجهات تنفيذ برامج التنمية التي تتولى الميزانيات الحكومية دورا رئيسيا في تنفيذها. وإذا كانت مسؤوليات واضعي هذه الميزانيات قد انحصرت في رسم خارطة أوجه الإيراد والإنفاق الحكوميين بحسب أولويات معينة، فإن مسؤولية مواجهة التحديات الناجمة عن ما آل إليه حال هذه الميزانيات بعد تراجع الإيرادات النفطية على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية تتسع لتضم كافة شرائح المجتمع. إن المسؤولية لن تنحصر هنا في محاولة التغلب على الآثار الناجمة عن تراجع الإيرادات الحكومية ومحاولة البحث عن مصادر لسد العجز، بل إن طبيعة التحديات الراهنة والقديمة-الجديدة تستدعي أن تتسع تلك المسؤولية لتطال خطط وتوجهات التنمية ككل. فالظرف الصعب الذي تمر به دول المنطقة – من حيث المناخات السياسية الإقليمية والعالمية وتشعب التحديات الاقتصادية العالمية - يمثل فرصة ملائمة لمراجعة تلك الخطط والتوجهات باتجاه تكريس قيم ومفاهيم جديدة للتنمية تمثل الحل الطويل الأمد لمعضلة تقلبات أسعار النفط ومن ثم إيراداته. إن الحديث ينصب هنا أساسا على زيادة إنتاجية الاقتصاد والفرد الخليجيين.. وإن تبني مفهوم "تعظيم إنتاجية الفرد" و"تعظيم إنتاجية الاقتصاد" في المجتمعات الخليجية يمثل أحد المداخل الرئيسية للحديث عن إستراتيجية تنموية طويلة الأمد. وتبني هذا المفهوم – باعتقادنا، يجب أن لا يكون على أساس اقتصادي أو تقني بحت، وإنما يجب أن يكون تبنيا شاملا لكل ما يتصل بالمفهوم من نواح ثقافية واجتماعية واقتصادية. فعند القول إن المطلوب هو تعظيم إنتاجية الفرد، وتحويله إلى عنصر منتج إلى أقصى الحدود الممكنة، كذلك تعظيم إنتاجية الاقتصاد لرفع كفاءته التشغيلية، فإن ذلك يستدعي مناقشة كيفية تحقيق هذا الهدف، ومعالجة نواحي القصور التي تحول دون تحقيقه وذلك من خلال تهيئة المستلزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتدريبية التي تحقق هذه الأهداف. كذلك لابد من تبني برامج لزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية سواء من خلال الاستثمارات الجديدة أو برامج الخصخصة مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية لهذه البرامج مع التركيز بصورة أكبر على خلق أنشطة اقتصادية أقل اعتمادا على العمالة الأجنبية الرخيصة، وأكثر توليدا للقيمة المضافة والوظائف ذات الدخل والمهارات المرتفعين تلبية لطموحات واحتياجات الشباب الخليجي.