14 سبتمبر 2025

تسجيل

العدالة الاجتماعية

17 فبراير 2019

خلق فرص عمل وتوفير نوعية أفضل من المهن يحتفل العالم في العشرين من فبراير من كل عام بيوم العدالة الاجتماعية. وقد اختارت الأمم المتحدة موضوع هذا العام هو "العمل لأجل العدالة الاجتماعية طريقنا للسلم والتنمية". وتقول إن تقديرات منظمة العمل الدولية تشير إلى أن حوالي ملياري شخص يعيشون حالياً في أوضاع هشة متأثرة بالنزاعات، منهم أكثر من 400 مليون تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة. كما تشير منظمة العمل الدولية إلى أن خلق فرص عمل وتوفير نوعية أفضل من المهن وتحسين فرص الوصول إلى الأشغال لـ40 في المائة ممن هم في أمس الحاجة للعمل، كفيل بزيادة الدخل العام والمساهمة في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً وإنصافاً. والعدالة الاجتماعية بهذا المفهوم تمثل أساس السلم الاجتماعي لأي مجتمع بهدف إبعاده عن النزاعات والصراعات، والسير بخطى ثابتة نحو التنمية المستدامة. وتشير معظم الأدبيات العالمية إلى ضرورة توفر عدد من العناصر الضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية أبرزها مثل المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للموارد والأعباء و الضمان الاجتماعي وتوفير السلع العامة والعدالة بين الأجيال. وعند النظر إلى وطننا العربي، نلاحظ أن معظم المجتمعات العربية تعاني من أنماط اقتصادية عاجزة عن تحقيق التنمية القائمة على العدالة الاجتماعية، لكون هذه النماذج أما خاضعة لشروط المؤسسات الدولية المانحة للمعونات والدعم أو بسبب غياب الحكم الرشيد وتفشي الفساد. ويقول مركز موارد العدالة الاجتماعية التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إن مؤسسات التمويل الدولية تروج لتبني سياسات مالية واقتصادية تقشفية في الدول التي تعاني من عجز الموازنة تستهدف إلغاء أو تخفيض الدعم على الطاقة والزراعة والمنتجات الغذائية، وتخفيض الأجور بما فيها أجور العاملين في التعليم والصحة وباقي مؤسسات الخدمات العامة، وترشيد استهداف شبكات الأمان الاجتماعي، وإعادة هيكلة نظام المعاشات، وترشيد الإنفاق على الصحة، وحرية فصل العمال. لكن تطبيق هذه السياسات، وإن كان قد أدى إلى تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية فقد ترك آثارا اجتماعية وخيمة. فقد أدت لزيادة الفقر والبطالة وصعوبة الوصول إلى الخدمات والسلع الأساسية، كما أدت لزيادة الفوارق بين الطبقات، وإقصاء قطاعات كاملة من المجتمعات خارج التنمية الأمر الذي يهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى نمط جديد للتنمية يقوم على أهداف تلبي احتياجات الناس ألا وهو التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مجتمعة، والحد من التباينات الأساسية في المجتمع وتحقيق هدف العمل اللائق لجميع النساء والرجال وانتهاج سياسات عامة تعالج جذور النمو غير المجدي، من خلال تدعيم إطار استثمار منتج، وجعل النظام المالي في خدمة الاقتصاد الحقيقي، وتطوير أسواق العمل كي تصبح أسواقاً عادلة. كما تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الحدين الأدنى والأعلى للأجور، في سياق يعتمد الهيكل النسبي للأجور في كل قطاع أو فرع من فروع النشاط الاقتصادي. وأيضا إعادة النظر في السياسة الضريبية، بعد أن ثبت فشل الرؤية التقليدية التي تقوم على خفض الضرائب، وتبني سياسات ضريبية أكثر تدرجاً بغية تمويل البرامج الرئيسية مثل التعليم والحماية الاجتماعية. وسيدعم هذا الأمر في الوقت نفسه أهداف إعادة التوزيع العادلة للثروة. كما ينبغي إرساء أرضية حماية اجتماعية لأكثر الناس استضعافاً لا تقف عند الوصول إلى الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل وأن تسعى باستمرار إلى تلبية هذه الحقوق. لكن تطبيق كل ذلك بحاجة إلى تكريس قواعد الحكم الرشيد في الدول العربية، لكي لا تتحول الإصلاحات الاقتصادية لقنوات أخرى لزيادة التمايز الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات العربية.  [email protected]