16 سبتمبر 2025

تسجيل

النار تحت الرماد

31 أكتوبر 2021

منذ أربعة عقود مضت وحتى يومنا هذا لازالت مسألة الامن البحري في منطقة الخليج تشكل هاجسا للدول المصدرة والمستوردة للطاقة على حد سواء بل وحتى لبقية دول العالم، وذلك لما تمثله هذه المنطقة من ثقل استراتيجي واقتصادي في صناعة الطاقة والسياسة الدولية، فهي تتوسط القارات الثلاث آسيا وأوروبا وافريقيا جغرافيا مما يعطيها ثقلا جيوسياسيا وافضلية متميزة لخطوط الملاحة البحرية، كما ان لها ثقلا جيواقتصاديا فهي تمد الاقتصاد العالمي بإمدادات الطاقة الضرورية من خلال ملاحتها البحرية عبر مضيق هرمز بما نسبته تقريبا 20% من النفط و 30% من الغاز الطبيعي المسال، ناهيك عن امتلاكها اكثر من 50% من الاحتياطي العالمي للنفط في العالم، مما يجعله موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية على المستويين الاقليمي والدولي. وبما ان الملاحة البحرية تعتبر مصدرا رئيسيا لنقل منتجات النفط والغاز من دول منطقة الخليج الى العالم بأسره فإن التهديدات على الملاحة البحرية تؤثر سلبا على أمن الطاقة ليس بالنسبة لهذه الدول وحسب وإنما أيضا على الدول المستهلكة للنفط ومنتجاته. ولعل الافتقار الى علاقات راسخة بين أصحاب المصلحة في المنطقة، جعل التعاون الأمني لضمان سلامة الحركة البحرية غير كاف وغير فعال، فقد رأينا خلال السنوات القليلة الماضية التوترات السياسية التي عصفت بالمنطقة وخصوصا بين الدول الاشقاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي والتي عرفت بأزمة الخليج، وكذلك سياسة الضغط العالي التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه إيران وردة الفعل الايرانية على هذه الضغوطات، الامر الذي زاد من تعقيدات الوضع الامني في منطقة أصبحت اكثر انقساما وأقل استقرارا. ومع غياب آليات التعاون والاتصال الفعالين، تظل المنطقة غير مستقرة ومتقلبة فهي اصبحت بوتقة تنصهر فيها التوترات السياسية، الامر الذي يحتم إيجاد حلول مناسبة ومقبولة من جميع الأطراف لتأمين الملاحة البحرية ولضمان استمرارية الانتاج لضمان أمن الطاقة بالنسبة للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. ويدعو أصحاب المصلحة في المنطقة بانتظام إلى التعاون فيما يتعلق بالمراقبة والأمن من أجل ضمان حرية الحركة البحرية في الخليج. فعلى سبيل المثال تشكلت قوة العمل المشتركة (CTF152) والتي تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة التهديدات الأمنية البحرية المتمثلة في القرصنة البحرية وعمليات التهريب والتهديدات الإرهابية على منصات النفط والغاز في الخليج، وهناك أيضا بعثة التوعية البحرية الأوروبية (EMASOH)، وهي مبادرة دعت اليها دول من الاتحاد الأوربي لإنشاء بعثة مراقبة بحرية بقيادة أوروبية في مضيق هرمز على هامش تصاعد التوترات في منطقة الخليج. ولكن السؤال الرئيسي في وجهة نظري يدور حول من هو المستفيد الأكبر من انعدام الامن بشكل عام والامن البحري بشكل خاص في منطقة الخليج؟. ولعل الإجابة على هذا السؤال معقدة بقدر تعقد مسألة الامن الخليجي، وذلك لعدة أسباب من أهمها تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسين في المنطقة، فهناك دول تريد بسط نفوذها في المنطقة لجباية تكاليف ماتوفره من حماية لقوافل الطاقة البحرية، بينما تعمل دول أخرى على اثبات قدراتها العسكرية والسياسية للتحكم في خطوط الملاحة البحرية ومن ثم امدادات الطاقة. فكل طرف من الأطراف يسعى لإثبات انه الطرف الأقوى والاقدر على تأمين التجارة البحرية للدول الصغيرة والمصدرة للطاقة في منطقة الخليج. وفي المقابل على هذه الدول دفع ثمن هذه الحماية لاستمرار تأمين تجارتها الخارجية من الطاقة. لذلك فمع استمرار الخلافات وتضارب المصالح بين الدول القوية عسكريا وسياسيا ستستمر مسألة التهديدات الأمنية البحرية على امدادات الطاقة والتجارة الخارجية لدول منطقة الخليج ولن ترى المنطقة أي استقرار الا اذا كانت هناك نية حقيقية للتوصل الى حلول جذرية واتفاقات بين جميع الأطراف. إن مسألة استقرار الامن البحري في منطقة الخليج يعتمد في المقام الأول على ضرورة التفاهم والتقارب السياسي بين أصحاب المصلحة وذلك من خلال فتح قنوات الاتصال والجلوس على طاولة الحوار لمناقشة جميع القضايا العالقة والتوصل الى حلول جذرية او على الأقل مؤقته لها، كم أن على المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة العمل على خلق جو من التفاهم السياسي بين الدول ذات المصلحة ومحاولة التوصل الى معاهدات واتفاقيات أمنية وسياسية تحت مظلة الأمم المتحدة لضمان ملاحة بحرية آمنة في منطقة الخليج. وختاما أقول: في خضم الخلافات الدائرة بين دول منطقة الخليج من جهة والدول ذات التأثير السياسي في العالم من جهة أخرى فإنه من الصعب الوصول الى اتفاق يحسم التوترات التي تؤثر سلبا على أمن الملاحة البحرية وأمن الطاقة في هذه المنطقة الهامة لصناعة النفط في العالم. ولكن يبقى هناك بصيص من الأمل من خلال الحل السياسي وفتح قنوات الاتصال وربما تقديم بعض التنازلات من قبل مختلف الأطراف المؤثرة. @drAliAlnaimi