28 سبتمبر 2025

تسجيل

نزوح ولجوء الشعب السوري .. قصة معاناة تحتاج لالتفاتة جادة

31 أكتوبر 2012

تابعت قبل أيام قليلة عن قرب، وخطوة بخطوة، رحلة خروج أحد الأصحاب من سوريا إلى دولة مجاورة بحثا عن ملاذ آمن بعد أن ساءت الحالة الأمنية والإنسانية في مدينة حلب منذ شهرين، وعرفت حجم الاستعدادات والتجهيزات التي سبقتها والمخاطر التي صاحبتها، ولمست حجم التحديات المستقبلية التي تدور في ذهن صاحبها. فكّر صاحبنا ـ كشأن كثيرين أمثاله ـ بترك بلاده التي لم يغادرها إلا زيارة أو سياحة منذ خمسة وأربعين عاما بسبب قصف بيته الذي دمر جزئيا، والقصف المتواصل لحيّه، وتوقف عجلة عمله ومصدر رزقه، وخوفه من الفوضى والابتزاز المتزايدين. تأخرت رحلة صاحبنا غير مرة بسبب الممرات والطرق غير الآمنة، وكان ثمة خشية أن يتأخر عن الحدود، وأن يمنع من الخروج كما حصل مع آخرين، لكن ما سهل عبوره، لطف الله ودعاء أحبابه له أولا، ثم اضطراره لدفع رشى للمعبر السوري ثانيا، بينما تأخر غيره ممن سبقوه قبل ذلك على هذا المعبر. في أول اتصال لي به بعد خروجه وصف لي شعوره النفسي مشبِّها حالته كحال سمكة خرجت من ماء نهرها الصغير، وكشجرة خلعتها من جذورها الضاربة في تربة الأرض، ثم تحدث لي عن التحديات التي تنتظره وتنتظر أسرته في الأيام القادمة، من حيث المسكن والإقامة والعمل ومدارس الأولاد... صاحبي الذي تحدثت عنه قد يكون محظوظا أكثر من غيره، إذ يوجد مالديه ماديا لتدبير أموره وسفره وإقامته وإن لبعض الوقت، ومن ساعده حتى بلوغ هدفه، ومن استقبله، ومن سيساعده بعد وصوله، ولكن ماذا عن الذين لا تتوفر لهم كل هذه الإمكانات وهذه التسهيلات وهم كثر والأعداد مرشحة للازدياد. إنها باختصار مشكلة النزوح واللجوء والتشرد التي يعاني منها أبناء الشعب السوري كإحدى إفرازات ثورتهم ضد طاغية دمشق منذ عشرين شهرا، بكل تداعياتها ومعاناتها الإنسانية التي تزداد تفاقما، بسبب بطش النظام واعتماده الحل الأمني والعسكري في مسعاه للقضاء عليها، إلى جانب ما يتعرضون له من قتل وسجن وتعذيب وهدم للبيوت، وانتهاك للأعراض وتخويف وترويع. وبحسب إحصاءات دولية موثّقة فإن عدد النازحين في الحد الأدنى بلغ 1.2 مليون شخص، فيما يبلغ عدد السوريين المسجلين أو بانتظار التسجيل كلاجئين في الأردن ولبنان وتركيا والعراق أكثر من 300.000 لاجئ، ويعتقد مراقبون أن هذه الأعداد أكثر من ذلك بكثير. إن هذا الوضع الإنساني يتطلب دعما عربيا وإسلاميا ودوليا عاجلا ومتواصلا،من جانب الشعوب والأنظمة، ومن المنظمات الدولية، ولم يعد الحديث كافٍ عن جهد محدود لجمعيات خيرية عربية وإسلامية من هنا وهناك، ولعل أهم هذه الاحتياجات الإغاثية والإنسانية: ـ توفير المأوى المناسب للحياة الكريمة من خلال مخيمات اللجوء الملائمة، أو الشقق. ولأن بعض الدول كتركيا صارت تتأخر في استقبال مزيد من اللاجئين فينبغي التفكير بإنشاء مخيمات للنازحين قرب المناطق الحدودية، التي تعتبر مأوى مؤقتا أو دائما، وبخاصة أن هذه المناطق صارت خارج نطاق سيطرة النظام. ـ توفير الغذاء اليومي لهذه الشرائح مثل السلال الغذائية الشهرية التي تتضمن المواد التموينية الأساسية، أو قيمة هذا المصروف اليومي على مثل هذه الاحتياجات الغذائية. ـ الرعاية الصحية الأولية للأطفال والأسر، لاسيَّما أن بينهم صغارا وكبارا في السن، وهو ما يعني احتياجهم لرعاية خاصة، كما أن من بينهم من يعاني من آثار عمليات جراحية وعلاجية أجريت لهم بسبب الظروف الدائرة في سوريا. ـ التعليم، فقد يكون ميسورا التحاق اللاجئين السوريين في الأردن، ولكن هذا الأمر تكتنفه صعوبات في لبنان، وربما في العراق، ولكن المشكلة الأكبر في تركيا، حيث لا يقبل الطلاب في المدارس الحكومية، وكل ما هو موجود نوع من التعليم المحدود في المخيمات، وفي بعض المدارس التي أنشاتها جمعيات خيرية تركية مثل (IHH) لتعليم أبناء اللاجئين السوريين، ولكنها غير مرخصة من الجهات التعليمية التركية، وهو ما يعني ضياع عام تعليمي كامل على هؤلاء الأطفال (العام الماضي)، والعام الدراسي الحالي. ومع خشية طول المدة يحتاج الأمر لتفاهمات مع الجهات المستضيفة لتوفير التعليم المناسب لأبناء اللاجئين، وأكثر من ذلك إقامة برامج تثقيفية وتدريبية للمقيمين في المخيمات أو من هم خارجها لاستثمار أوقاتهم بالنافع المفيد، وإكسابهم مهارات معينة تعينهم على تطوير قدراتهم، وتوسيع مداركهم، وتأمين مصدر رزق لهم رجالا ونساء وشبابا.. ويتصل بذلك طلبة الجامعات والمعاهد أيضا. ـ برامج الدعم النفسي، فكثير من أطفال اللاجئين وأسرهم تعرضوا لصدمات وضغوط نفسية كثيرة بسبب قسوة ماشاهدوه مناظر، وما تعرضوا له من مواقف، وكلها تحتاج لدعمٍ يعنيهم لإعادتهم للحياة الطبيعية وتجاوز العقد في حياتهم. قصة نزوح ولجوء الشعب السوري التي يبدو أنها ربما ستكون طويلة تحتاج إلى التفاتة جادة من المنظمات الدولية، ومن الجهات العربية والإسلامية الرسمية والشعبية، تتناسب مع أهوالها وأحوالها الإنسانية المتفاقمة، سواء على مستوى البرامج والخطط أو على مستوى الدعم المادي واللوجستي.