13 سبتمبر 2025

تسجيل

أعمار بحجم الإنجازات

04 يناير 2017

اعتاد الناس أن يحسبوا أعمارهم، وخبراتهم بعدد السنين، وشتان بين حساب الأعمار والخبرات بعدد السنوات وبين حسابها بحجم الإنجازات.حتى وإن افترضنا أنه لا مناص من حساب كميّ تعارف عليه الناس، لضبط أعمالهم وتوقيت حركتهم، فإنّ الحساب النوعي سيكون هو الأهم لأنه سيكون الأكثر تأثيرا في حياة الناس أفرادا وجماعات ومجتمعات، نظرا للفرق الذي تحدثه الإنجازات المهمة.ولا يُخلَّد الناس، ويرتفع ذكرهم بين الخلائق بطول أعمارهم، وإنما بأعمالهم الجليلة، وخدماتهم النافعة، وأدوارهم المؤثرة، وآثارهم المفيدة، فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قاد جيش المسلمين وعمره 16 عامًا، وفي الجيش أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، وذهب لمحاربة أعظم إمبراطورية في ذلك الزمان (الروم). وأبوالقاسم الشابي الذي عرف بشاعر الخضراء (تونس) وبقصيدته المشهورة: "إذا الشعب يوما أراد الحياة". مات عن عمر يناهز 25 عاما فقط، ومحمد بن القاسم الثقفي فتح الهند والسند وعمره 17 عامًا، وخاض 12 معركة في سنة واحدة، وانتصر فيها كلها، ومصطفى كامل قاوم الإنجليز وهزّ إنجلترا، ومات وعمره 33 عاما، وزيد بن ثابت أسلم وعمره عشرة أعوام، وعلّمه النبي القرآن وعمره 12 عامًا، ثم تعلّم العبرية وعمره 14 عامًا، وأصبح مترجم النبي وعمره 16 عامًا، ثم أصبح ممن يكتبون الوحي بين يدي النبي وعمره 17 عامًا، ثم أصبح مسؤولًا عن المواريث وعمره 19 عامًا، وجمع القرآن وعمره 21 عامًا. ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الأمر إلا بالهمة العالية والطموح الكبير، واهتبال الوقت والحرص عليه، وكما جاء في كتاب "قيمة الزمن عند العلماء" أنه: "بالحفاظ على الوقت تزخر الآثار، وتطول الأعمار، ويبارك الله تعالى في الأزمان الوجيزة والأعمار القصيرة، والله يؤتي فضله من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم".حديثنا عند تصرّم عام ودخولنا لعام جديد/ 2017 ينبغي أن يتناول هذه المعاني، وألا يقتصر على احتفاء بليلة كليلة رأس السنة أو تبادل التهاني في اليوم الأول للعام، وإنما ينبغي أن يركّز تكريم المنجزين من حولنا على مستوى الأسر والوظائف وعلى مستوى الدولة والمجتمع والأمة، في حياتهم ـ وهو الأولى ـ أو بعد مماتهم، وتخصيص جوائز مجزية باسم شخصية العام، والعزم على اللحاق بهذا الركب، ولن يعدم الإنسان أبوابا ومجالات يمكنه أن يتميز بها، فيما لو جدّ واجتهد. ويزداد هذا الأمر أهمية في ظل الكوارث والأزمات والظروف الطارئة كما الحال في أكثر من بلد عربي لاسيَّما سوريا، فالمطلوب من النازحين واللاجئين التحدي والتميز لمواجهة الصعاب وتحقيق الذات، وقد قرأت عن أطفال وشباب سوريين لاجئين تفوقوا على أقرانهم من أهل البلاد التي لجأوا إليها، وتميّزوا في المجالات التعليمية والمهنية، والمطلوب التميز كذلك في خدمة هذه الشرائح وابتكار طرق تطوعية إبداعية لتقديم المعونات والمناصرة والدعم لهم ولأطفالهم، وإيجاد حلول للمشاكل التي تواجههم، نظرا لأهمية ذلك تنمويا وإنسانيا. وليكن شعارنا أننا نكبر بتميّزنا ونجاحنا وخدمة مجتمعاتنا وأمتنا، وبعلمنا وخبرتنا وقدراتنا ومواهبنا، ولنفتح أبوابا للنور الأمل والعمل المثمر والبناء ولنأخذ بروح المبادرة، ونتفاءل بالخير، وألا ننكفئ على أنفسنا مهما كانت الأحداث جساما والمصائب جمة والمعاناة كبيرة، حتى لا نصاب بالإحباط أو القنوط أو الهزيمة ونجمد مكاننا، وكلما غيّرنا من أنفسنا تغيرت الظروف من حولنا نحو الأفضل، فتلك سنة من سنن الله سبحانه: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، والأمور لا تبقى على حالها بحسب سنة التدافع: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}. الحياة لا تستقرّ على حال، بل هي في حركة دائمة وعلينا اغتنام دورانها لصالحنا، وتسخير كل من حولنا لصالح الإنسان الذي كرمه الله ليعمر الكون، بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.