11 سبتمبر 2025

تسجيل

العربية الفصحى ..وظلم ذوي القربى

18 يناير 2017

نظرا لما تعانيه لغة الضاد من ظلم وتهميش في الفضاء العربي، ولمواجهة غربة أجيالنا عن لغتهم الأم، ينبغي التحرك في كافة الاتجاهات ضمن منظومة شاملة على مستويات التعليم والإعلام والعلاقات الأسرية والاجتماعية لتبصير الناشئة والشباب بقيمتها، باعتبارها هوية الأمة، وحاضنة تراثها وثقافتها، ولتمكينهم من مهاراتها المختلفة: قراءة نصوصها والكتابة بحروفها، وفهم ما يسمعونه منها، والحديث بلسانها الفصيح، لتنشأ لديهم السليقة منذ نعومة أظفارهم، وصولا بهم إلى تذوق جمالياتها، إضافة إلى تقديم معالجات لبعض الظواهر التي طبعت كثيرا من الممارسات في تعاملهم اليومي مع محيطهم بالتوازي مع تطور تقنيات الاتصال.ولعل من أهم الإشكالات التي ترتبط بهذا الواقع المرير التي جعلت لغتنا العربية الشريفة غريبة في أوطانها وبين أهليها تتمثل في:ـ إعلاء شأن بعض اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية على حسابها، حتى صار الكثير من أبنائنا أكثر إجادة لها، وتمكنا منها، واستقر في عقولهم أنها لغة العصر والتقدم والتحضر، وما ذلك إلا بسبب جعل هذه اللغات الإفرنجية لغة التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات، وأداة التواصل والتخاطب الشفهي والكتابي في الدوائر والأعمال الوظيفية في القطاعين العام والخاص. ـ إشكالية الازدواجية بين الفصحى واللغات المحكية المختلفة، وتنتصب هذه المشكلة أمام تلاميذنا العرب الذين يدرسون بالعربية عند دخولهم المدرسة ،لأنهم يكتشفون بأنهم يتعلّمون المعرفةَ بلغة ( فصحى) لم يُتقنوها ولا يُمارسونها إلا في أثناء القراءة والكتابة، ففي بيئاتهم الأسرية لا يتكلمون إلا العامية ، والأعجب منها أن تكون لغة الخطاب السائدة في مدارسنا هي العامية حتى من قبل المدرسين، ولغة الكتاب والدراسة هي الفصحى.ـ الهجائن اللغوية التي تجمع بين العربية والإنجليزية أو بين العربية والفرنسية أو بين العربية واللغات الآسيوية على مستوى التخاطب، أو بين كتابة الكلمات والمعاني العربية بالحروف اللاتينية على مستوى التواصل الإملائي خصوصا عبر وسائط الاتصال الحديثة كالهاتف الجوال وشبكات الحاسوب والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وما يلوذ بها. ـ طرائق تدريس اللغة العربية ومناهجها والتي تحتاج لإعادة نظر ، وإلى مزيد من التطوير والجاذبية في المضمون والإخراج ، بدءا من رياض الأطفال وحتى الجامعة، والتي لا تصل بواقعها الحالي لتقويم لسان الطالب رغم ما يدرسه من نحو وصرف، ولا إلى إتقان الكتابة رغم دراسته للإملاء ، ولا إلى حسن التعبير والصياغة بالشكل الجيد رغم كتابة مواضيع التعبير والإنشاء، ولا إلى تذوق النصوص شعرا ونثرا ،رغم ما يدرسه من أدب وبلاغة . وإزاء هذا الواقع المعقد، وبحثا عن مقاربات علاجية شاملة له، أكدتُ في مقالات سابقة لي ـ وما زلت ـ على ضرورة تنظيم حملات وطنية على مستوى الأقطار العربية تشترك فيها الأسرة والجهات التربوية والإعلامية والدينية والشبابية معا في إطار تكاملي لإحياء العربية الفصحى في واقع الأطفال والناشئة والشباب ، ونظرا لتعذر ذلك ـ حتى الآن على الأقل ـ بسبب عدم تبنيه من قبل الجهات الحكومية العربية فعليا فإن أي مبادرة تصب في هذا الاتجاه ستكون ذات نفع كبير، وهي تستحق كل التقدير، مع التأكيد على أمرين مهمين: البدء بذلك من نعومة الأظفار واعتماد أساليب المرح واللعب في هذا الجانب ، واستثمار التقنيات والتطبيقات الإلكترونية وشبكات الاتصال الحديثة نظرا لأنها صارت جزءا من حياة الناس.