12 سبتمبر 2025
تسجيلفي إطار عمل إعلامي توثيقي لتجارب شبابية في العمل التطوعي يجري إعداده حاليا في منطقة الخليج استرعى انتباهي أن الشخصية المُلهِمة لأربعة ناشطين في هذا المجال من أصل خمسة كانت هي الدكتور الطبيب عبد الرحمن السميط ( الكويت) رحمه الله ، والذي قضى أغلب عمره في خدمة الفقراء وأصحاب الحاجة في إفريقيا وترك بصمة واضحة في مجال العمل الخيري العربي.والحقيقة الأولى التي يمكن استخلاصها من هذا العمل والمخرجات المتوقعة منه هي أهمية التنبه إلى أن العمر ينقضي ويبقى الأثر والذكر الحسن ، وأن عمل الإنسان يتوقف بموته إلا الصدقة الجارية فإنها تبقى من بعده، فيتواصل أجر الإنسان وذكره الطيب والدعاء له والترحم عليه بسببها ، مصداق قول رسولنا الكريم : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).ينشغل أغلب الناس بتلبية مطالب الدنيا الفانية ، ولا يستثمرون جهودهم أو أموالهم أو أوقاتهم إلا فيها ، فينتهي الانتفاع والاستمتاع بكل هذه الأشياء بموتهم ، والقلة هي التي تستثمر هذه الجوانب في أمور خيرية وتطوعية وإنسانية تكون بركة في حياتها، وتبقى لها بعد الموت، أجرا ومثوبة وجزاء في الحياة الباقية، وإعلاء لمنازلها عند الله سبحانه وتعالى، وكسب محبته ومحبة الناس ( أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس). والحقيقة الثانية أن الإنسان يبحث في العادة عن النماذج المتميزة في المجالات التي تهمه، ويسعى للتأسي بها، واتخاذها مثلا أعلى له ، ويفتش عن التجارب الناجحة التي تركت أثرا في واقع الناس ، لأنها تشكل مصدر إلهام له ، فيستفيد من خبراتها المتراكمة ونقاط قوتها. وحتى تكون هذه النماذج والتجارب متاحة ومحفزة للآخرين، لابد من تدوينها وتوثيقها بصورة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، سواء من قبل أصحابها أو من قبل الآخرين، على أن تقدم بطريقة ممتعة وجذابة، وبأسلوب مبدع ومشوق ، وهو جهد مهم ينبغي أن يتصدى له الكتّاب والباحثون ووسائل الإعلام والجهات ذات العلاقة كالمؤسسات الخيرية والإنسانية. لكن علينا أن نعترف أن تدوين وتوثيق هذه السير لأصحاب الخبرات المتميزة والتجارب الناجحة خصوصا في مجالات العمل الإنساني والخيري والتطوعي منعدم أو شبه منعدم ، لأسباب كثيرة تتصل بزهد أصحابها ببضاعتهم، أو خشيتهم من الرياء والعُجب، أو لتقصير أصحاب العلاقة كالمؤسسات الخيرية ووسائل الإعلام والكتّاب والباحثين بواجبهم المفترض إزاءها، لذا تبقى الكثير من هذه التجارب بكل دروسها وعِبَرها طيّ الكتمان وحبيسة صدور أصحابها ، وقد تندثر صفحاتها بموتهم. الأمل يحدونا بأن يتم التركيز بصورة أكبر من قبل الكتاب والجهات ذات العلاقة على تقديم السير والتجارب الناجحة من خلال فن الِسير أو فن "البورتريه" الإعلامي لتكون حافزا للأجيال على التطوع لخدمة مجتمعاتهم وقضايا أمتهم ، ووضعها بين يد المستجدين في هذا المجال ليبدؤوا من حيث انتهى غيرهم، ويستفيدوا من خلاصة تجارب وعصارة آراء من سبقهم على هذا الدرب المبارك، ولتسد بشكل غير مباشر الفراغ الكبير في نشر ثقافة العمل التطوعي والخيري بمنطقتنا العربية والإسلامية .