13 سبتمبر 2025
تسجيلالتوقعات العالمية بزيادة الطلب على الطاقة خلال العشر سنوات القادمة تجعل الدول المنتجة للنفط أمام تحديات نراها ماثلة أمامنا، وأبرزها الطلب المتنامي على النفط والغاز من الدول الصناعية والناشئة، والتجاذبات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط التي أثرت بشكل مباشر على إنتاجيات الطاقة، وتداعيات الربيع العربي والخطط الرامية إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية ومالية. يشكل النفط مصدراً أساسياً لأكثر من "80%" من إجمالي الطلب عليه، وأنّ المكانة الإستراتيجية للدول المنتجة في السوق العالمية تضعها أمام مسؤوليات استيعاب حجم التوسع الصناعي، ويصف تقرير "شل" العالمية هذه التحديات بأنها التحدي الحاسم لتوفير الطاقة في ظل الزيادة السكانية وارتفاع مستويات المعيشة، وتفاقم حدة التعقيدات المناخية وتعاظم المخاطر البيئية ومشتقات الصناعة. ويبحث خبراء الطاقة في المجتمع الدولي وضع آليات للتعامل مع تذبذب أسعار النفط، ومحاولة التأقلم مع الظروف السياسية للحفاظ على مستويات إنتاجية مستقرة، وتجنيب المؤسسات الاقتصادية مخاطر نقص النفط أو التقليل من الإنتاج. ورغم النظرة التفاؤلية التي ترسمها التقارير الدولية عن النمو الإيجابي لمؤشرات النفط والطاقة مقارنة بعدم الرضا عن مؤشرات القطاع المالي في العالم، إلا أنّ الإحصاءات المعلنة لإنتاجيات الطاقة لم تخفف من حدة المخاوف بسبب توقعات بحدوث أزمة مالية كالتي حدثت في 2008. ومما يرفع حدة المخاوف ظهور مشكلات اقتصادية ومالية وبيئية مثل التغير المناخي وتأثيره السلبي على الصناعة، وعجز الموازنات المحلية عن الإيفاء بمتطلبات التنمية، وتفاقم ديون اليورو، دون أن تجد اجتماعات الدول الأوروبية المنهارة أي طريق للخروج من الهوة، وهناك المطالبات الاجتماعية بتحسين مستويات المعيشة، والتأمينات الاجتماعية والبطالة وانتشار الأمراض، واتساع الفجوة بين الاقتصاد وثورة المعلومات، وعدم التناغم بين الأسواق المتقدمة والناشئة وعدم تحقيق مؤشرات متقدمة للتنمية بسبب الديون والاضطرابات السياسية في المنطقة. في رأيي أنّ سبب عدم الربط بين مؤشرات النمو في إنتاجيات الطاقة وبين الوضع الاقتصادي القائم هو عدم قراءة البيانات الإحصائية بتأن، وعدم القدرة على إجراء التحليلات التي تربط المؤشرات بواقع متغير يعيش حراكاً في شتى المجالات، حيث تخطط كل المشاريع في الميدان دون خريطة طريق تحدد ملامحها وتستشرف مستقبلها أو مدى حاجة المجتمع إليها إذ لا تلبث أن تتهاوى بعد خروجها من المخططات إلى السطح. لو نظرنا إلى التقارير الدولية المتعلقة بالطاقة نرى مدى ارتفاع مؤشرات النمو فيها، وهذا يقدم صورة متفائلة عن بيئة المشاريع أو الخطط المستقبلية التي من الممكن أن تقوم عليها أنشطة غير تقليدية. من مؤشرات التفاؤل ما يشير إليه تقرير وكالة الطاقة الدولية أنّ الطلب على النفط سيرتفع من "88،3" مليون برميل في 2010 إلى "95" مليون برميل في 2016، وأنه ما بين أعوام "2008 و2035" سيزيد الطلب على النفط بنسبة "60%" خاصة منطقة الشرق الأوسط والدول الناشئة، ويشير تقرير منظمة "الأوبك" أيضاً أنه حتى 2035 سترتفع التكاليف الإنشائية والتشغيلية في قطاع الطاقة بالشرق الأوسط، مما سيرفع من معدل البيع إلى ما فوق "130" دولاراً خلال 2025. ويعني أيضاً أنه سيزيد الطلب على الأيدي العاملة والكوادر الفنية المؤهلة لإدارة قطاع الطاقة بكافة أنشطته، فالعنصر البشري سيكون محور التنمية في هذا القطاع تحديداً. ورغم ارتفاع فائض الإيرادات في الموازنات المحلية بالدول المصدرة للنفط، ووصولها لمرحلة الصدارة، وسعي الكثير من الحكومات إلى الاستفادة من هذه الفوائض في ضخ المزيد من النفقات في المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية، إلا أنّ هذه الخطوات لم تقلل من البطالة أو الفجوة بين الاقتصاد والظروف المعيشية، ولا يزال الشرق الأوسط ينفق موازنات ضخمة على البنية التحتية والتعليم والصحة والبيئة، كما أنّ بعض شركات القطاع الصناعي لا تزال تعمل بصورة تقليدية ولم ترق الأبحاث في مجالات الطاقة الشمسية والمتجددة إلى مستوى التفعيل. وإذا كان تقرير البنك الدولي يتوقع أن تشهد المنطقة طفرة نوعية أشبه بطفرة الثمانينيات النفطية، فإنّ التحديات لا تزال قائمة، وكما ذكرت تعتبر متغيرات المناخ والتقلبات السياسية من المعوقات نحو إحداث تنمية فاعلة، ومن هنا يرى البنك الدولي أنّ الدول بدأت تحويل الإيرادات النفطية إلى عوامل اقتصادية محفزة من خلال الموازنات وتفعيل الاستثمار في الصناديق السيادية لتجنب المخاطر. وأستشهد هنا بدولة قطر لكونها لاعباً إستراتيجياً في سوق الطاقة ومؤثراً في صناعة القرار العالمي، فقد أشار تقرير "شل" لأبحاث الطاقة إلى أنّ قطر بدأت تحويل الطاقة إلى سوائل والتي يتنامى الطلب عليها في الأسواق الآسيوية والدول الصناعية، وتسعى جاهدة لابتكار طرق حديثة لاستغلال الغاز وتسييله، وهذا يعزز الاستثمارات في هذا الجانب. ويؤكد تقرير لـ"قنا" أنّ صناعة الغاز في قطر حققت قفزة كبرى في قطاع الطاقة، وأنّ جدوى استغلال الغاز في مشاريع للتسييل أو مد خطوط تشغيلية إلى الدول المجاورة أو فتح أسواق تصديرية إلى الدول الآسيوية تزداد أهمية بمرور الوقت، وفي أن تكون حلاً بديلاً لتقنيات الوقود التقليدي. أما التقلبات المناخية فقد سعت الدولة بخطى حثيثة من خلال قمة المناخ التي ستعقد بالدوحة إلى صياغة رؤية عالمية مشتركة حول التغير المناخي بهدف التقليل من الإضرار الذي تسببه الصناعات، وتسعى أيضاً مع خبراء دوليين إلى رسم منهجية حول آليات التعامل مع الإنتاجيات الصناعية خلال السنوات القادمة لتوفير موازنات هائلة ترصد للمعالجات والتلوثات البيئية.