11 سبتمبر 2025

تسجيل

(النصيحة لمن طلبها)

31 أغسطس 2021

يقال بأن صاحبك هو من ينصحك ويداوم على تزويدك بالمعلومات التي من شأنها أن تنير لك الطريق، يساهم على الدوام بإمدادك بالدعم النفسي والمعنوي لتخطي صعاب هذه الحياة، بدءاً من مقاومة واقع الاستيقاظ وحقيقة أن الشمس لابد لها من الإشراق صباح كل يوم غير آبهة ولا مبالية بالمخلفات الفكرية التي تعيشها وتصارعها في رأسك، وصولاً إلى تقبل فكرة أن الخلود ليس الديمومة بل هو التسليم لكافة متغيرات الحياة، إننا خلقنا لنعيش فكرة خلود اللحظة لا أبدية الوجود. لتقبل فكرة أننا العنصر الوحيد المسؤول عن خلود ذواتنا وأفكارنا وتصوراتنا من خلال ملء الفجوة بين ما نعيشه و ما نود أن نكونه. إلا أن النصيحة لها أدبيات وُضعت لإماطة الأذى عن النفوس المتلقية، ولحفظ ماء وجه الناصح. هي فن يجب على من يمارسة أن يكون حذراً في كيفية التعامل معه والطريقة المناسبة لعرضه والإباحة به. ناهيك عن أهمية التوقيت فالنفوس البشرية لها قدرات وطباع متباينة ومختلفة ترتبط كثيراً باختيار التوقيت المناسب للحديث أو طرح فكرة ما. لا يمكن لأي من كان أن يأتي ويلقى جمل وعبارات ومن ثم يختمها بالقول إنه تفوه بذا وذاك من باب النصيحة أو الحب. كما أن من أحد أهم أدبيات النصيحة هي التعريض لا التصريح بمعنى الإشارة إلى الأمر من دون التصريح به مباشراً وقد قال ابن حزم رحمه الله: " إذا نصحت فانصح سرا لَا جَهرا، وبتعريض لَا تَصْرِيح، إِلَّا أَن لَا يفهم المنصوح تعريضك، فَلَا بُد من التَّصْرِيح.... فَإِن تعديت هَذِه الْوُجُوه فَأَنت ظَالِم لَا نَاصح". لكن قبل أن تكون لكافة هذه المعطيات أثرها الكبير لابد للالتفات إلى أن النصيحة من المهم أن تكون لمن يستحقها، ولمن طلبها. فليس من المقبول لأي كان أن يمارس علوه في القول والنصح بشكل مستمر ولكل من يقابله. فليس كل ذات نفس بشرية قابلة للنصح أو التوجيه، البشر ليسوا أرواحا هائمة تحتاج إلى من يوجهها باستمرار. هذا ليس دورك ولا دور أي شخص. إن لكل منا شخص يلجأ إليه لأخذ النصح كما أنه له عدد كاف من الأصدقاء والعائلة التي تحاول أن توجهه بين حين وآخر. إن أحد الأمور التي وجدتها مزعجة في الآونة الأخيرة هي كثرة النصح والتوجيه، كثرة الانتقاد على أبسط الأمور. نحن نفوس متغيرة نصاب بارتفاع وهبوط بين فينة وأخرى، فحين نحاول بكل طاقتنا أن نجابه الصعوبات المتواجدة في يومنا يأتينا من يملي علينا كيف نتصرف في موقف بعينه، موقف يعد من الأمور التي وقعت في الزمن الماضي، النصح ليس له أي قيمة فهو مجرد انتقاد لا طائل منه سوى التصغير. أو يوجهنا في أمور مستقبلية نحاول بكل طاقتنا أن نؤجل التفكير بها إلى حين حلولها. فنحن أحياناً نكون مجهدين من التفكير، نود أن نمارس الحياة كما أتت. الطاقة التي منحنا إياها الله في هذه المرحلة تكاد تنفذ لذا ليس لنا قدرة إلا أن نمضى في يوم بعينه ونحن مكبلين بالتفكير بالحيثيات التي حدثت أو التي من شأنها أن تحدث. تعلموا أن تأتوا خفافاً، تعلموا القول اللين، النصيحة فن والحديث فن، ليس لكل ذات من بيننا حق إطلاق الأحكام أو ذكر المحاسن من المساوئ، جميعنا نمارس فن الحياة ولا يوجد من بيننا إلا أفراد تنقصهم الحكمة بقدر يشابهنا أو يتجاوزنا. يقول فريدريش نيتشه: "كثيراً ما نرفض فكرة ما لمجرد أن النبرة التي قيلت بها تثير النفور". [email protected] @shaikhahamadq