12 سبتمبر 2025

تسجيل

شهرزاد أم القصة؟

03 يناير 2023

لماذا يلقى النقص قبولاً عند البعض أكثر من المحتوى المكتمل، لِمَ نجد أن أحد سبل الإغواء ترتكز على المنح ولكن بأسلوب يُحفز الشخص الآخر الى الرغبة في المزيد، ونرى هذا الأمر جلياً في أسلوب شهرزاد مع مليكها شهريار فهي لم تُرد أن تكون ضحية جديدة في سجل الملك الذي كان يتزوج كل يوم عذراء ويقتلها في صباح اليوم التالي. فهي كانت بين خيارين إما أن تكون الضحية التالية أو أن تبتكر أسلوباً يجعل من مليكها يرغب في المزيد منها، وهو أمر لا شك أنه يملك من الصعوبة الكثير فهي لم تكن تعرفه تلك المعرفة لترجح أن هذا الأسلوب سيمنحها المزيد من الوقت، والمفاجئ أن هذا الأمر لم يمنحها المزيد من الوقت فقط بل امتد لما يزيد عن ألف ليلة وليلة حكت فيه شهرزاد ما يزيد عن مئتي قصة. فهل كان الانجذاب لشخص شهرزاد أم لمحتوى القصة؟ أم للاثنين. أن تمنح شيئا ناقصاً ولا يظهرك بالشكل السيئ أو المُقصر ما هو إلا فن قليلٌ منا يتقنه، أو يستطيع مجاراته. وهو أحد الفنون الاجتماعية الجاذبة فهي التي تميز بين شخص و آخر في أنك تود أن تقضي معه المزيد من الوقت أو أنك اكتفيت من التواصل معه. أن تكون حاضراً بكلك ولكن بعضك يعمد الى التغيب عن المكان لا لشيء حتى لا تمنح الآخر أكثر مما يستطيع تحمله. حتى كريم السريرية والنفس سيتجاهل أي أسلوب عطاء مستمر وهذه للأسف حقيقة وطبيعة البشر. بمجرد أن يُمنحوا الأشياء بلا مقابل يصابوا بالغرور وبالتالي الاكتفاء السريع. والواقع والخيارات تخبرنا دائما أن صاحب الوجه الواحد والطيب هو أكثر شخص يتعرض للاستغلال بشكل دائم ومتكرر. وهنا لا يقع اللوم على المجتمع والآخرين بل على هذا الشخص الذي لم يتعظ من الدرس من المرة الأولي. لم يتعلم بأن الآخرين ما هم إلا انعكاس للطبيعة البشرية في أن كل شيء متوفر مُهدر ولا قيمة له. وأن قيمة الاشياء تأتي من تواجدها بشكل أقل. وهذا الأمر واضح على جوانب كثيرة حيث سنجده في الجوانب الاقتصادية وخاصة التجارة كالبيع والشراء فنجد السلعة قليلة الوفرة تتحصل على السعر الأعلى نظراً لندرة تواجدها. وهذا شبيه بما حدث في هولندا حين ارتفع سعر زهرة التوليب عام 1636 إلى ٦ آلاف فلورين، وهي العُملة المُستخدَمة آنذاك، وقد كان يُعتبر هذا المبلغ كافيًا لإطعامِ وإكساء أسرةٍ هولنديّة على مدارِ عقود أو لشراءِ قصرٍ يطلّ على بُحيرةٍ في وسطِ العاصمة أمستردام مما تسبب في احتكار كبير لزراعة هذه الزهرة ولتكون رمزاً للحياة الارستقراطية والوجاهة. وهذا الأمر نجده بكثافة في العصر الحديث الذي نعيشه يكفي أن يكون أسلوب شركة أبل في طرح منتجاتها أحد أهم الامثلة ، فالشركة تَعمد الى تصنيع عدد من الهواتف وبيعها بنسبة أقل من حاجة السوق مما أدى الى استمرار الشركة في تصدرها لقوائم المبيعات نتيجة هامش الربح الذي تحققه بسهولة خلال عمليات طرح وإصدار أجهزتها الذكية. ففكرة الندرة التي روجت لها رفعت من قيمة منتجاتها، مع استمرار محاولتها في الابقاء على قيمة الطلب أعلى من المتوفر. يُمكننا أن نعودَ أدراجِنا إلى كلماتِ أحلام مستغانمي حين قالت: "أنّ الأشياءَ عندما تصلُ ذروتها تكون في أقربِ نقطةٍ للزوال".