11 سبتمبر 2025
تسجيللقد آمنت منذ فترة أن الجهل نعمة ولا زلت إلى يومنا هذا مقتنعة بها. لا شيء في هذه الدنيا يستحق منا أكثر من ٥٠٪ من طاقتنا البشرية. فالكون مليء بدوائر غير حقيقية من شأنها أن تجهدي ان حاولت الالتفات لها في كل مرة بنفس مستوى الطاقة. اترك من تَرك وانتبه لمن آتي. لا تبذل طاقتك في الاتجاهات الخاطئة. ولا تُقيم الأمور في كل مرة. تعلم أن تكون خفيفاً متجاوزاً للطاقات السلبية التي يقذف بها البشر من حولك. تجاهل قدر ما تستطيع وقدر ما لا تستطيع. لقد كنت قبل اليوم ولكي أكون أكثر دقة قبل أن أشاهد لقاء تلفزيونيا مع أحد المشاهير أؤمن بفكرة الحب. لكن اليوم أؤمن أن الحب موجود في ذواتنا فقط. أن نكون محبوبين في عين أنفسنا. أن نقدس الطاقة التي نتمتع بها لرؤية الجمال من حولنا دون السعي لطلب مشاعر أو كلمات يبخل علينا بها صاحبها. أن نتعلم أن نحب الطاقات لا البشر. أن نترك لهم حرية العيش من دوننا وبدون مطالب مستمرة لشعور بعينه. أن نكون أكثر خفة بلا جسد ولا ظل يبقى من بعدنا. أن نمارس انسانيتنا وعواطفنا في الاتجاهات الصحيحة. لنكن صادقين لم يعد أحد في هذا الكون يستحق كمية العطاء الذي نحمله له. كنت في السابق أوجه هذا النوع من المشاعر في اتجاه الأصدقاء، ومن ثم أيقنت أن الأصدقاء لا يحتاجون إلى هذا الكم من التفاني في كل مرة. يكفيك أن تكون معطاء ولكن بحدود. ان لم نتعظ من قصة الأخوين قابيل وهابيل تلك التي حدثت في بداية الزمان ليخبرنا بها الله أن الإنسان سيناله الشقاء من أقرب الناس إليه حتى وان كان هذا القريب هو أخوك الوحيد في كون شاسع لا يوجد فيه أحد إلا أنت وهو. إن لم نتعظ من هذه القصة لا يمكننا أن نتعظ من أي أمر قد يصيبنا من أقرب الأشخاص لنا. ولم يترك لنا التاريخ قصة عن غدر الرفيق لم يذكرها لنا، والأمثلة في هذا كثيرة ولكن تحضرني الآن قصة الإمبراطور "قيصر" حين تعرض للغدر من أقرب الناس له صديقه العزيز بروتس، وتقول القصة ان القيصر لم يبال بالتحذيرات التي وُجهت إليه بأن هناك مؤامرة يتم نسجها لقتله. بل ذهب كما تعود إلى مجلس الشيوخ سعيدا باستقبال أهل روما عند أبواب المجلس، ولكنه ما إن ولج إلى الداخل حتى تبعه المتآمرون، وانهالوا عليه بالطعنات واحدة تلو الأخرى، حتى انه استقبل 23 طعنة، لم ترده قتيلا، حتى لمح "بروتوس" يهرع إليه، فسكنت الطمأنينة نفسه، ظنا منه أن الإنقاذ جاء على يد صديقه، قبل أن يشعر بخنجر "بروتس" يخترق أحشاءه، لينظر إلى عينيه قائلا مقولته الشهيرة: "حتى أنت يا بروتس! إذن فليمت قيصر". ويقول الأديب المغربي الشاب محمد بنصالح في مدونته الأدبية واصفا هذا المشهد من مسرحية شكسبير: "لم يكن خنجر بروتس كسائر الخناجر.. لقد طعنه في مشاعره، في ثقته به، طعنة الخيانة المُرة أفاضت روح قيصر وأردته صريعا". ولكن من ضمن هذا البين والبين، اتساءل عن قابيل؟ عن القيصر عمن تعرض للأذى! ما هو الشيء الذي منح الآخرين حق أذيتهم؟ حق قتلهم؟ هل لأنهم أمنوا الجانب الذي ليس من المفترض أن نأمنه لأي أحد. هل يجب دائماً أن نترك فرصة للخذلان، للترك لأن نكون عرضه للسواد الذي يطغى من حولنا. يوجد في هذه الحياة الكثير من الأمور التي لا نستطيع أن نستشعرها لأنها ليست ولا يمكن أن تكون واقعية، لذلك وُجد الفن: قصص الحب الخيالية، وفاء الأصدقاء، الأخوة والرباط الأبدي، وجدت الكُتب والروايات التي لا يوجد لها سند صحيح سوى الخيال وإلهام الكاتب. فكاتبة سلسلة قصص هاري بوتر لم تبن قصتها على التفاصيل الواقعية بل تعدتها إلى خيال لاقى استحسانا لا مثيل له فهي تتصدر قائمة أفضل المبيعات، الموسيقى المتكاملة التي ألفها بيتهوفون بالرغم من فقدانه للسمع. يتجاوز الفن الواقع دائماً وكثيراً ليرسم لنا الصورة الكاملة للحياة التي نودها أو خُيل لنا أننا قد نعيشها، فالفن ليس سوى الصورة الكاملة لما نتمناه ولم نستطع الحصول عليه. إن الشقاء الذي نعاني منه الآن ما هو إلا رغبتنا المستمرة في خلق تلك الصورة الكاملة وسيستمر هذا الأمر ما طالت رغبتنا لذا خلق الله لنا شعور القناعة أن نكون قانعين بما هو موجود دون أن نتطلع للمزيد من هذه الحياة. فهي ليست الدار التي سيكون فيها مستقرنا، ما هي الي محطة في رحلة ديمومتنا فقد خلقنا الله خالدين كما قال عمر بن الخطاب (أيّها الناس، إنّا خلقنا وإيّاكم للبقاء لا للفناء، لكنّكم من دار إلى دار تنقلون).