12 سبتمبر 2025

تسجيل

"عمران" وجرح الصورة

31 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قد تبدو الحقيقة قاسية موجعة وصادمة وأثقل من أن تتحمل, لكن تبعات إعلانها ونشرها مهما آلمت تظل أقل بكثير من تبعات إسكاتها وإخفاءها أو التقليل منها. تقف الصحافة ووسائل الإعلام بين خيارين مربكين: بين مراعاة الحقيقة ومراعاة الجمهور, وهو موضوع سجال إعلامي استعصى على الحسم. وفي مواجهة قلق التأثير يرى البعض أن الواقع يبرر خيانة الواقع, يبدو الأمر لعبة إرضاء لمستقبلٍ ومشاهدٍ مستريح لا يريد ما يتلف أعصابه, ويفسد دعته وينغص باله, لا يريد ما يحزنه ويبكيه ويضاعف العبء على حسه البارد ومشاعره الواهنة. ما يبث من حقائق ووقائع فاجعة تؤثر فينا دون شك, تدمينا وتجرح مشاعرنا, تسكننا عذاباً ملازماً ليل نهار في اليقظة والنوم, تخلق ردات فعل متضاربة, ما نراه ونشاهده قد لا يروق أو يسر أحياناً وقد يضعنا في دائرة التعاسة. الحديث عن التأثيرات السلبية والإيجابية لنشر المعلومات والحقائق قد يبدو ملتبساً ومظللاً لاسيما حينما يتعامل الجمهور مع نفسه كضحية أخرى للمادة المعلنة والمنشورة. المجازر والفظاعات التي تقترف بحقنا في سوريا واليمن والعراق مثلا هي أقل من الخبر والصورة وما ينشر ويبث من مشاهد القتل والتدمير لا يعكس بشاعة الجرم ولا يحيط بكامل المأساة. ما ينشر لا يتقصى التفاصيل الذابحة, لا يلم بوحشية الفعل ولا يستنطق الجراحات المكبوتة، إن أقل ما تهدف إليه الصور الدامية وضع الرأي العام المحلي والعالمي في صورة ما يحدث إن التخفيف من بشاعة الجرم بدعوى الإشفاق على المشاهد الكريم جناية أخرى في حق الضحية محاباة غير منصفة للقتلة إشفاق يشمل السفاح بكل تأكيد. وإن القول أن في ذلك مراعاة لأهالي الضحايا فيمكن الإجابة عليه بأن كثيرا من تلك الجرائم لا تترك أهلا كي يأسوا أو يحزنوا. إن مهمة الإعلام الحر وضع الجميع في قلب المسؤولية عبر نقل المعلومة وعرض الصورة بمنتهى الدقة والأمانة. الاجتزاء والانتقاء والتعامل الإعلامي مع مجازر وجرائم بهذه البشاعة التي رأيناها مؤخرا في مشهد الطفل السوري "عمران" باعتبارها سلعة خاضعة لمتطلبات السوق ورغبات المستهلك أمر يجافي القيم والمبادئ والأخلاق وربما يجعل منا قتلة آخرين لكن بوسائل وأدوات مختلفة . مهمتنا كإعلاميين التنوير لا التزوير واجبنا إبقاء الوعي العام في حالة يقظة وانتباه, ومسؤولياتنا الوصول بالمشاهد إلى أن يدرك أنه مشروع ضحية, قتيل وضحية محتمل مكشوف في مرمى القتلة، وأن عليه القيام بدوره في حماية ذاته ووطنه من هذه الويلات، ومساعدة هؤلاء الضحايا وتقديم العون لهم والدفاع عنهم بكل الوسائل المتاحة. من المهم التحديق جيداً في هذه الرؤوس الغضة المحروقة والمثقوبة بالرصاص هذه رؤوسنا العالية المسكونة بالأحلام الفتية الملونة, حدقوا في وجوه أوطانكم وهي تقطر دماً وكبرياء, تأملوا قبح قاتليكم, انظروا أي دمامة تحيط بكم. إن الذين يتحاشون فجيعة الصورة ورعب المشهد لا يريدون مواجهة الحقيقة, ومغادرة الوهم, يفضلون البقاء بعيداً عن الألم. مازالت الصورة صرخة المظلومين والمضطهدين في كل مكان. ولقد كانت مفجرا لكثير من الأحداث والثورات، وسببا لكثير من التحولات الكبرى في حياة الشعوب والأوطان. كانت صور الجنود الأمريكيين القتلى في فيتنام سببا في تحرك الشارع الأمريكي لإيقاف الحرب في فيتنام في ظل رئاسة "نيكسون" وكانت صور الفلاحين الذين اغتيلوا أيام حكم بينوشيه ودفنوا في مقابر جماعية مادة حارقة آثار اكتشافها الشعب التشيلي ليخرج إلى الشوارع قدس ثورة كاسحة ضد الجنرال المستبد وكانت صورة "محمد الدرة" أيقونة مرحلة فارقة قي نضال شعبنا الفلسطيني ضد المحتل. وكانت صورة "بوعزيزي" في تونس فاتحة اشتعال الجسد العربي الكبير المتأجج تحت رماد القهر والبطش والقمع منذ عقود.