11 سبتمبر 2025
تسجيليحدث أن تعمل نسبة معتبرة من الشباب الذين تخرجوا من كليات علمية في حقول عمل إبداعية لا صلة لها بتخصصهم كالإعلام والترجمة والفنون، سواء بصفة كاملة أو جزئية، وتبدع في هذه المجالات، وربما يعود ذلك لعدم وجود من اكتشف ميولهم في سن مبكرة، وبالتالي عدم بروز هذه الموهبة بشكل واضح حتى للشخص نفسه، أو لعدم حصول هذه المواهب على الرعاية المطلوبة لتظهر وتصقل، أو بسبب إجبار الأهل لأبنائهم للتوجه إلى تخصصات معينة تصادم ميل الأبناء وهواياتهم، بحجة أن التخصصات العلمية قد تكون أوفر دخلا أو أكثر وجاهة من التخصصات الإبداعية. والموهبة منحة من الله، تحتاج إلى من يتنبّه إليها منذ نعومة الأظفار، ثم يرعاها ويصقلها لتكون أكثر عطاء وقدرة وتميزا. وعدم القيام بذلك قد يؤدي إلى ضمور هذه المواهب جزئيا أو كليا، أو عدم التميز بالصورة المتوخاة. عند حديثنا عن المواهب لدى الأطفال وأهمية حصولها على الرعاية لتتطور أسرّ زميل مثقف أنه لا يعرف كيف يكتشف مواهب أبنائه، وأنه يريد معرفة مفتاح ذلك ليقوم بواجبه رغم أن أبناءه موزعون بين المرحلة الابتدائية وبداية الإعدادية. خلال نهاية الأسبوع الماضي وطيلة الأسبوع الحالي أتيح لي متابعة فعاليات "مهرجان الإبداع الطفولي" الذي نظّمته مديرية ثقافة الطفل بوزارة الثقافة في الأردن بمشاركة ثماني دول عربية، ولعل أهمية المهرجان تكمن في أنه لفت الانتباه إلى أهمية الإبداع منذ الصغر، وما تحتاجه العملية لتؤتي ثمارها المنشودة، ودورها في تنمية المجتمعات، وتقديم نماذج عملية لهذه المواهب التي أسهمت في هذا المهرجان بشكل متميز، وفي أكثر من جانب. في المهرجان كان هناك تكريم لعدد من الأطفال واليافعين الأردنيين الموهوبين تقديرا لجهودهم، واحدة منهم تعتبر أصغر قاصة في الأردن وقد صدر لها مجموعة قصصية وأخرى قيد الطبع، وأخرى صحفية تعمل مع مواقع داخل وخارج الأردن رغم أن عمر كلّ منهما 14 عاما، كما كانت هناك مسابقة لأدب الطفل للناشئة في مجالات القصة القصيرة والشعر والنص المسرحي والمقالة والخواطر، فضلا عن تقديم مسرحيات من قبل فرق مسرحية من الناشئة كفريق مركز زها الثقافي المسرحي، والمعرض الفني للمكفوفين، وهكذا فإن المهرجان اشتمل على تكريم الإبداع الطفولي حفزا للمتميزين من الأطفال، وأتاح فرصا للمبدعين منهم لينافسوا بمواهبهم، ويزيدون من جودة عطائهم، والثقة بقدراتهم، بمن في ذلك أصحاب الاحتياجات الخاصة منهم، وأبرز مخرجات مواهبهم للجمهور من الأطفال والأسر، وذلك من خلال مشاركاتهم العملية ليتأسوا بهذه التجارب. وعن قرب التقيت عددا من الموهوبين الصغار وحاورتهم وحاورت أسرهم مطولا وقد ترسخ لي بأن وراء هؤلاء الموهوبين أسرا تجتهد بقوة للعناية بمواهبهم عناية فائقة، فمثلا يقرؤون لهم القصص منذ أن تكون أعمارهم سنتين أو ثلاث سنوات، ثم يوفرون لهم الكتب للمطالعة، ثم يلحقونهم بمراكز ثقافية وبدورات مهنية لتنمية المواهب والإبداع لديهم، ويحرصون على حفزهم للاشتراك بالفعاليات المدرسية وغيرها وفي المسابقات الوطنية، ويتابعون مخرجات أعمالهم كطباعة كتبهم أو إقامة معارضهم، ويسهّلون اشتراكهم في الأعمال الإبداعية بصورة تطوعية لاكتساب المهارة والخبرة العملية، فضلا عن دور الجهات الأخرى كالمربين والمدارس، والمدربين والمراكز الثقافية، ودور مؤسسات الإعلام في التعريف بهذه المواهب وتقديمها. مع الإشارة إلى أن دور الأسرة في هذا الجانب هو الطاغي على من سواه. الكشف عن الإبداع منذ السنوات الأولى من العمر للأطفال ورعايته بما يلزم مطلب تنموي مهم للأفراد والمجتمعات، فهو يوفر شخصاً نافعاً مؤثراً، يعمل بجدية وحيوية وحب لعمله، ويبادر لخدمة من حوله وتطوير بلده بحرفية ومهنية، ويقفز بمسارات التطوير والنهوض قفزات مهمة. يبقى القول إن الاهتمام بهذا الجانب على مستوى الأسر والمجتمعات والجهات الرسمية في دولنا العربية مازال بضاعة نادرة جدا رغم أهميته الوطنية.