17 سبتمبر 2025
تسجيلعقدت بالقاهرة منذ شهور – من خلال زخم الحياة الثقافية التي تشهدها بلادنا بعد الثورة - وضمن ما تشهده من نهضة ثقافية - ندوه بعنوان " الأدب النوبي وأثره في المشهد الثقافي " وكان ذلك بالتنسيق مع لجنة الفنون والتراث لجمعية قورته الخيرية النوبية. أدار الندوة الشاعر محيي الدين صالح والأديب حسن نور وحضرها عدد كبير من صفوة الأدباء والنقاد يتقدمهم وزير الثقافة الأسبق الدكتور عماد أبوغازي والدكتور شاكر عبدالمجيد وكيل المجلس الأعلى للثقافة الأسبق كما شارك فيها عدد كبير جدا من أبناء النوبة المقيمين بالقاهرة. وقد أسعدنا أن يلقى الأدب النوبي هذا الاهتمام الذي يستحقه وأكثر إذ إن النوبة جزء غال من مصر ويتميز أبناء النوبة بالخلق القويم والطيبة والإيثار ويسعدني أن نتحدث عن ذلك لاحقا وقد أكد أبو غازي في كلمته على أن الثقافة النوبية تمثل جزءا أصيلا من ثقافة المجتمع المصري وهو قول صحيح إلى حد بعيد وأن الأدب النوبي أضاف الكثير للثقافة العربية.. ولم يفت أبو غازي أن يشيد بالفن النوبي الذي يعبر بشكل أو بآخر عن بعد مهم من أبعاد الواقع الحضاري بروافده الاجتماعية والثقافية. ونحن من جانبنا نتفق تماما مع ما جاء على لسان المثقف النشط الذي أثبت في كل يوم تولى فيه الوزارة أنه يتمتع بحس عال وإدراك بقضايا المجتمع المصري وما يواجهه من تحديات مستقبلية وإن كنا قد افتقدناه وزيرا فإنه لا يزال كما هو المثقف المتوهج. والأدب النوبي يتميز بالخصوبة والثراء خاصة أنه يشهد في السنوات الأخيرة طفرة من النادر أن نجدها في أدب آخر ومثل ذلك يحدث في الفنون وشتى المناحي الثقافية لديهم. ونود في إطلالتنا هذه أن نلقي بعض الضوء على هذا الجزء العزيز من أرض مصر وشعبها الطيب الذي تم تهجيره من موطنهم الأصلي عند إنشاء السد العالي مضحين ببلادهم الأصلية من أجل رخاء ورفاهية الشعب المصري بأكمله وأقاموا في مناطق التهجير التي أعدتها الدولة والتي كانت موضع اهتمام جميع المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس الأسبق الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. صحيح أن الحكومة في ذلك الوقت قد وزعت عليهم الأراضي المستصلحة عوضا عن تلك التي غمرتها مياه بحيرة ناصر وقامت ببناء بيوت لهم من الحجر بنفس طريقة البناء التي تعتمد على الأقبية وارتفاع الأسقف في محاولة للتخفيف عن هؤلاء المهجرين وحتى لا يشعروا بالأسى واللوعة لترك موطنهم أو على الأقل التخفيف من هذا الإحساس لديهم.. ولكن هل يمكن أن يتحقق هذا ولو بشكل جزئي؟ إنني ومن خلال تجربتي الشخصية عاصرت بعض الأدباء من كاتبي القصة القصيرة في نادي القصة وكانت كتاباتهم مليئة بالشجن والحنين لمسقط رأسهم وكم من القصص كتبت وتناولت تلك الدموع التي ذرفت والمشاعر الفياضة عندما كانت تحكي عن لحظات التهجير هذه وإن نسيت فلن أنسى تلك القصة التي تناول فيها أحد الأدباء نسيت اسمه لطول المدة مع شديد الأسف - إبان أواخر الثمانينيات - التي سرد فيها قصة الأسرة - في الغالب هي تجربة شخصية - التي ركبت قاربا لنقلها وطلب المراكبي تخفيف الحمولة واضطرت فتاة صغيرة أن تضحي بعروستها كما اضطر فتى - هو في ظني كاتب القصة نفسه - لترك كلبه العزيز وراءه وما صاحب ذلك من مشاعر لم تنجح السنوات في محوها. ولأهل النوبة جميعا لغتهم الخاصة وهي - لمن لا يعلم – لغة تحدث فقط ولا يمكن كتابتها ولكنهم حريصون على استمراريتها من خلال تعليمها لأطفالهم وتوريثهم إياها والتحدث بها كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. ويسعدني أن أسوق هنا واقعة من تاريخنا الحديث المشرف حيث استخدمت قواتنا المسلحة اللغة النوبية في الاتصالات عبر أجهزة اللاسلكي مما جعل قوات العدو تقف عاجزة أمام هذه الشفرة التي لم يسبق لهم سماعها. وكان لدى المجتمع النوبي دوما رغبة عارمة في الانعزال والتقوقع أو الانغلاق على الذات (وهو هنا بمعناه الإيجابي.. بغية المحافظة على الذات) حتى يصعب أن تجد مع الأسر النوبية من هم من غير أهل النوبة واستمر هذا بعد التهجير حيث أبقوا على منتدياتهم الخاصة التي لا يرتادها غريب وانعكس ذلك على ثقافتهم التي تتحدث دوما عن مسقط الرأس والحنين إلى تراب الموطن الأصلي. ولأهالي النوبة جميعا محبة خاصة في نفوس الشعب المصري كله وجميعهم إخوة أعزاء عاشوا بيننا في السراء والضراء وكانوا على الدوام جزءا لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن المتجانس وعُقد من عقوده المنتظمة. تحية لوزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي على رعايته لمثل هذه الندوات إبان توليه مسؤولية الوزارة التي تعمل على تنمية الحس الوطني الأصيل وتحية للأديب النوبي محيي الدين صالح وزميله حسن نور ونحن نرحب بالأدباء من أبناء النوبة على صفحاتنا وسنقوم بنشر أعمالهم والتعليق عليها وهذا أقل ما يمكن عمله للتعبير عن حبنا لأهالي النوبة الكرام. وإلى اللقاء في الجزء الثاني بحول الله.