10 سبتمبر 2025
تسجيلفى البداية عزيزى القارئ فإننى أعتذر عن مقدمة هذا المقال والتى قد تبدو طويلة نسبيا .. إلا أننى أجد ذلك ضروريا لتوضيح ما نهدف إليه .. وأتمنى أن توافقنى الرأى فى النهاية .. وهذا هو ما يعنينى ويهم أى كاتب بالدرجة الأولى .. فقد إتفق كل من يعمل بالسياسة - أو يهتم بها على الأقل - أن الحزب السياسى يُعرًف بأنه مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهداف وآراء سياسية متشابهة ويهدفون إلى التأثير فى السياسات العامة لدولهم من أجل الهدف الأهم – بالنسبة لهم بطبيعة الحال – وهو فوز مرشحهم أو مرشحيهم بالمناصب التمثيلية . ومن المتعارف عليه أيضا فى الدول الديموقراطية أن الأحزاب السياسية تلعب الدور الأهم فى تشكيل النظم الحاكمة والتى تعبر عن الإحتياجات الأساسية والتحديات السياسية لمجموعة من البشر تتولى حكم البلاد لعدد محدد من السنوات يقابلها مجموعة أخرى تلعب دور المعارضة وتتطلع إلى تنحية المجموعة الأولى عن الحكم لتحل محلها وفق برامج وآليات تختلف من بلد إلى آخر . ومن المتعارف عليه بالإضافة إلى ما سبق أن يكون لكل حزب مقر يجتمع فيه الأعضاء الذين يشكلون من بينهم أمانة أو مجلسا لرسم سياسة الحزب والعمل على تنفيذها .. كما يصدر كل حزب جريدة - أو على الأقل نشرة - تعبر عن سياساته ووجهات نظر أعضائه . كل هذا كان سائداً فى العالم كله ولكن الأمور تبدلت بعد الثورة التكنولوجية والإتصالات والمعلومات التى شهدناها فى السنوات الأخيرة حتى أصبحنا نعيش فى عصر " السوشيال ميديا " والذى أصبح فيه لكل إنسان – كما قلنا فى مقال سابق – إذاعة خاصة وشاشة متفردة ومكانا ينطلق منه إلى آفاق عالم فسيح .. ولا نريد أن نكرر ما يقال عن تحول العالم إلى قرية صغيرة تسكنها جميع الأجناس والألوان ويذخر بكل اللغات ولكننا نتساءل عن تأثير ذلك على الحياة السياسية والأحزاب بعد أن أصبح لكل إنسان وسيلته الخاصة للتعبير عن الآراء ووجهات النظر بعيدا عن أى رقابة .. وأصبح بإمكانه أن يدخل ضمن مجموعة من مستخدمى الميديا تسمى جروب group " " يكون بمثابة حزب خاص بهؤلاء الأشخاص بعيدا عن الأطر التقليدية بكل ما تعج به من مشاكل وأزمات مزمنة باتت معروفة للكافة .. بل أكثر من ذلك يمكن لأى إنسان أن يشكل جروبا خاصا به دون أن يبرح مكانه أمام شاشة الكمبيوتر أو اللاب توب أو حتى التليفون المحمول .. وكل ما عليه هو أن يضغط على لوحة المفاتيح موجها دعوة للأصدقاء للإنضمام إليه .. ومن يقبل منهم يشكل منهم جروب يكون بمثابة حزب خاص بهذه الجماعة من الأصدقاء أو الجروب . ولكن هل لهذه المجموعات على السوشيال ميديا أو الوسائل التكنولوجية الحديثة – وغالبا ما يكونون من الشباب – تأثير على الحياة السياسية فى مختلف الدول ؟ أو بمعنى آخر .. هل لها تأثير على الأحزاب وأنشطتها فى المجالات المختلفة ؟ وللإجابة الدقيقة على هذا السؤال يجب أن نتريث لنرى ما الذى يمكن أن تقوم به هذه المجموعات .. أو " الأحزاب الفضائية " .. أو " الأحزاب الإفتراضية " .. أو ما قامت به حتى الآن .. وما مدى تأثير ذلك على الأفراد وبالتالى على رغبتهم فى الإنضمام للأحزاب التقليدية .. أو استمرارهم فى عضوية هذه الأحزاب لمن كان عضوا فيها . ولا شك أن هذه المجموعات نجحت بشكل ملحوظ فى الآتى : - إستقطاب أو " تجنيد "عدد كبير من الأنصار . - القدرة اللامحدودة على الحشد والتعبئة وتوجيه الرأى لمساندة قضية أو العكس .. وهو ما يمكن لاحقا أن يكون له تأثير عام وهو ما يُطلق عليه " الرأى العام " . - تجديد الكثير من الأفكار الشبابية .. وتوجيه الشباب للتعبير عن الآراء ووجهات النظر المختلفة بعيدا عن أى رقابة أو سلطة يمكن أن تحول دون ذلك . - الدفاع عن حقوق الأقليات من مختلف الأجناس والطبقات الإجتماعية والفئات المختلفة . - إيجاد قنوات لنقل الآراء والقضايا المختلفة من المواطنين إلى الحكومات وأصحاب السلطة فى البلاد . ومن وجهة النظر الأخرى نجد أن هذه " الأحزاب الفضائية أو الإفتراضية " ينقصها جوانب عديدة مما يمكن أن تقوم به الأحزاب التقليدية نظرا لأن الأعضاء يكونون من دول مختلفة وليست دولة واحدة .. لعل أهمها ما يأتى : - الفوضى الفكرية نتيجة إختلافات الثقافات والأعراف الإجتماعية . - عدم توافر رؤية شاملة للتعبير والإصلاح حيث أن ما يصلح لدولة معينة قد لا يصلح لدول أخرى . - عدم إمكانية الحشد لإنتخاب أعضاء فى المجالس أو للتمثيل أو النيابة بشكل عام . - إستحالة القيام بأى أنشطة إجتماعية للأسباب السالفة الذكر. وتأسيساً على ما سبق فإن الدرس الذى يمكننا أن نخرج به أن تلك الأحزاب الإفتراضية توفر فرصة لا مثيل لها للتعبير عن الرأى والإتصال بآخرين فى بلاد مختلفة أو فى ذات البلد وفى نفس الوقت قد تكون سببا فى تقاعس الأفراد عن الإنخراط فى الأحزاب التقليدية مما قد يضعف الإقبال عليها أو يُحد منه وهو ما سينتج عنه ضعف هذه الأحزاب عن ذى قبل ولكنها لن تكون بديلة لها . وإلى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله .