10 سبتمبر 2025
تسجيلعندما أخلو إلى نفسى عادة ما أقلب فى أوراقى القديمة .. هى عادة قديمة عندى .. وأعتقد أن كثير من الناس يفعل ذلك .. والطريف أن المرء غالبا ما يجد بين هذه الأوراق مفاجآت سارة كموضوعنا اليوم وهو مقال كنت قد كتبته منذ فترة وتركته فى ملف ولكننى نسيت أمره .. ليس لعدم أهمية الموضوع ولكن العكس هو الصحيح .. تركته حتى أجد الوقت الأكثر مناسبة لنشره .. ولكننى الآن أعتقد أن موضوع هذا المقال يصلح لكل زمان .. فهل تشاركوننى الرأى أحبائى القراء .. إليكم المقال . الإستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين من أبرز سمات العظماء وأصحاب النفوذ والتأثير في المجتمعات .. فكثرة الكلام ليس دليلاً على قوة الشخصية ولا قوة التأثير .. بل ربما ينتهي كثرة الكلام إلى ما لا يحمد عقباه من النتائج .. لأنه إذا زاد الكلام عن حدّه أبتلي بالتكرار وتوضيح الواضحات التي هي من مستهجنات البلاغة . وبعض الناس لا يتكلم كثيرا ولا تكاد تسمع صوته في المجالس والتجمعات .. بل لو راقبته لرأيته لا يتحرك منه إلا رأسه و عيناه .. وقد يتحرك فمه أحيانا ولكن بالتبسم .. لا بالكلام .. ومع ذلك يحبه الناس .. ويأنسون بمجالسته .. وقد أثبت علماء النفس الاجتماعي أن الإستماع الجيد من أهم الأدوات الرئيسية للوصول إلى قلوب الآخرين والتفاهم المثمر معهم . والإستماع إلى الناس فن ومهارة .. فيجب أن نعود أنفسنا على الإنصات لكلام الآخرين .. وحتى لو كان لنا على الكلام ملاحظة فلا يجب أن نتعجل .. وتصديقا لذلك نجد أن عالم النفس المعروف ستيفن كوفي تحدث فى أحد أهم وأشهر كتبه " العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية " عن أحد الآباء الذى لجأ إليه لأنه يجد أن علاقته بإبنه ليست على ما يرام .. وكان بينهما الحوار التالى الذى ننقله نصا عن الكتاب : - لا أستطيع أن أفهم إبني .. فهو لا يريد الإستماع إلي أبدا . - دعني أرتب ما قلته للتو .. أنت لا تفهم إبنك لأنه لا يريد الاستماع إليك ؟ - هذا صحيح . - دعني أجرب مرة أخرى .. أنت لا تفهم إبنك لأنه – هو - لا يريد الاستماع إليك أنت ؟ - هذا ما قلته . - أعتقد أنك كي تفهم شخصاً آخر .. فأنت بحاجة لأن تستمع له . - أوه .. (تعبيراً عن صدمته) . ثم جاءت فترة صمت طويلة .. وقال مرة أخرى: - أوه ! إن هذا الأب نموذج صغير للكثير من الناس الذي يرددون في أنفسهم أو أمامنا : " إنني لا أفهمه .. إنه لا يستمع لي! " . والمفروض أنك تستمع له لا أن يستمع لك . وإليك أيضا عزيزى القارئ هذه القصة . في أوائل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان عدد المسلمين قليلا وكان الكفار يكذبونه .. ويشيعون أنه مجنون وساحر .. وفي يوم من الأيام قدم الى مكة رجل إسمه ضماد .. وهو حكيم له علم بالطب والعلاج .. يعالج المجنون والمسحور .. فلما خالط الناس سمع الكفار يقولون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقال ضماد: - أين هذا الرجل ؟ لعله يشفى على يدي ؟ . فأرشده الناس إلى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلما لقيه ضماد قال : - يا محمد .. إنى أرقى من هذه الرياح .. وإن الله يشفى على يدي من يشاء .. فهلم أعالجك . وجعل الرجل يتكلم عن علاجه وقدراته .. والنبي ينصت إليه .. وذاك يتكلم .. والنبي ينصت . أتدرى عزيزى القارئ إلى ماذا كان عليه الصلاة والسلام ينصت ؟ كان ينصت إلى كلام رجل كافر .. جاء ليعالجه من مرض الجنون!! حتى إذا إنتهى ضماد من كلامه قال صلى الله عليه وسلم : - الحمد لله .. نحمده ونستعينه .. من يهده الله فلا مضل له .. ومن يضلل فلا هادى له .. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له . إنتفض ضماد وقال : - أعد على كلماتك هذه . فأعادها صلى الله عليه وسلم عليه .. فقال ضماد : - والله قد سمعت قول الكهنة و قول السحرة و قول الشعراء فما سمعت مثل هذه الكلمات .. فهلم يدك أبايعك على الإسلام . فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده وأخذ ضماد يردد : - أشهد أن لا اله إلا الله .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " . وعلم صلى الله عليه وسلم أن له عند قومه شرف .. فقال له : - وعلى قومك ؟ . فقال ضماد : - وعلى قومي . ثم ذهب إلى قومه هاديا داعيا . وقديما قال بعض الحكماء : " إذا جالست الجهال فأنصت لهم .. وإذا جالست العلماء فأنصت لهم .. فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم .. وإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم " . ونخلص من ذلك أنه على المرء أن يكون مستمعا ماهرا .. ينصت ويهز رأسك متابعا .. ويتفاعل بتعابير وجهه .. وينظر إلى أثر ذلك فيمن يتكلم معه .. سواء كان كبيرا أو صغيرا .. ولنتذكر دائما أن براعتنا في الاستماع إلى الآخرين ... تجعلهم بارعين في محبتنا والاستئناس بنا . وإلى لقاء جديد ومقالنا القادم بحول الله .