10 سبتمبر 2025

تسجيل

الفراغ الوجدانى فى المجتمع الإنسانى

13 ديسمبر 2016

كتب العديد من الكُتاب – وأنا منهم – عن أن الكرة الأرضية بالكامل قد تحولت إلى قرية عالمية واحدة كنتيجة حتمية لتوافر التكنولوجيا الحديثة وهو ما يمكن أن نطلق عليه الثورة المعرفية التى بات يعيشها الجنس البشرى بالكامل مؤخرا وعلى الأخص فى العقدين الأخيرين .. وما يترتب على ذلك شأن كل جديد من مزايا وعيوب " advantages and disadvantages ".. أما عن المزايا فهى لا تعد ولا تحصى لعل أبسطها – وفى نفس الوقت أوضحها – هو توافر المعلومات بكل سهولة ويسر بين أيدى الجميع - بما فى ذلك الأطفال - كنتيجة منطقية لإنتشار أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية .. أما عن بعض العيوب التى يلمسها الجميع فكنا قد تحدثنا فى مقالات سابقة عن أن ذلك تسبب فى عدم ممارسة الرياضة وإزدياد نسبة البدانة والسمنة المفرطة بين المراهقين والأطفال ( راجع مقال التكنولوجيا والبدانة ) وما يترتب على ذلك من مشاكل صحية . وإذا كنا قد لمسنا فى ذلك المقال الجانب الجسدى فإننا نتناول اليوم الجانب النفسى والمتمثل فى الإغتراب الإنسانى والتركيز على الهوية الفردية وزيادة الرغبة فى إعتزال الآخرين ونمو الشعور بالإستغناء عن الآخرين بما فى ذلك أفراد الأسرة الواحدة مما يؤدى بالضرورة إلى تراجع قيمة الأسرة التى يتوجب أن ينشأ عليها البشر فى كل المجتمعات .. أو بمعنى آخر البعد عن التفاعل الإنسانى القائم على الحميمية والمباشرة ونمو الشعور بالقدرة على الإستغناء مما يدفع نحو مجتمعات نفعية وهمية عوضا عن إشباع الحاجات الإنسانية إلى الإنتماء والتعاطف ودفء التواصل . وتأسيسا على ما سبق فإننا يمكننا أن نلخص وجهات النظر المختلفة للعلماء فى هذا الصدد وخاصة علماء النفس أن الإنسان حسب طبيعته الفطرية لا يحب مشاعر الإغتراب والهوية الفردية مما يجعله ينضم إلى مجموعة من الناس من كافة الأعمار لتشجيع فريقا لكرة القدم أو غيرها من الألعاب الرياضية أو الإنخراط فى حزب سياسى وتبنى أحد المعتقدات الفكرية السائدة .. كما يرى علماء النفس أنه إن لم يتحقق ذلك فإن الكثير من الناس تصاب بالإكتئاب وقد تراودهم فكرة التخلص من حياتهم ويقدمون على الإنتحار . وهنا فإننا ندق جرس الإنذار ونحذر من خطر داهم آخر يحدق بالمجتمعات الإنسانية الحديثة وهو اللجوء إلى الإلتصاق بالمكونات الأولية وعلى الأخص المعتقدات الدينية كمحاولة للبحث عن جذور أو ملامح تميز تساعد على تكوين علاقات إنسانية حميمية وتعويض هذا الفراغ الوجدانى .. وهنا يكمن خطر الإستغلال من قوى خارجية تعمل على إشعارهم بالهزيمة ومن ثم الرغبة فى الثأر وتلك هى اللبنة الأولى فى طريق الإرهاب .. نعم .. هكذا ينشأ الإرهاب . وفى النهاية فإننى أرجو ممن يقرأ مقالنا هذا ألا يظن أننى لا أميل إلى تشجيع إستخدام تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة التى هى موجودة فى حياتنا فى جميع الأماكن وكل الأوقات .. ولكننى أدعو القراء الأحباء إلى الإعتدال .. نعم الإعتدال والوسطية هما الوسيلة المثلى لتحقيق الإشباع الإنسانى والإستمتاع بدفء التواصل مع باقى أفراد القرية الكونية .. مع تسليمنا الكامل بأنها عوالم إفتراضية قائمة على التخيل ولا يمكن أن تحل مكان العوالم الواقعية .. وهذا هو بيت القصيد . وإلى لقاء قادم وموضوع جديد بحول الله .