11 سبتمبر 2025
تسجيلقصد رجل إحدى القرى المشهورة ببيع الدواب ليشتري حصانًا يستعين به على قضاء حوائجه، فصادف أحد الباعة في أول السوق يعرض حصانًا ضخمًا بسعر بسيط ويدعي أنه لولا الحاجة ما باعه، فاشتراه صاحبنا وامتطاه راجعًا إلى قريته البعيدة، وقبل خروجه من القرية مر بدكّانٍ فتذكر أن ليس لديه حبل ليربط به الحصان إذا ما أراد أن يستريح في طريق عودته، فنزل وأمسك بعنان حصانه وصاح بصاحب الدكان أن آتني بحبل، فقال له صاحب الدكّان ليس لدي حبل لدابتك، ولكن أوهم الدابة أنك تربطها في الشجرة ولن تغادر مكانها، فأراد الرجل أن يجرب ذلك قبل أن يغادر المكان، فأوهم الحصان أنه يلف الحبل على رقبته ويربطه في الشجرة ليرى كيف يصنع، ودخل الدكّان ليشتري بعض الأشياء ثم خرج ليجد الحصان في مكانه، فامتطاه ليواصل الطريق لكن الحصان أبى أن يتحرك، فلما استنفد الرجل كل وسيلة لحث الحصان على السير رجع لصاحب الدكّان مستنجدًا به مرةً أخرى، فقال له عليك أن توهم دابتك أنك تفك قيدها كما أوهمتها أنك تقيّدها، وبالفعل أوهم الحصان أنه يفك قيده فتحرك الحصان من مكانه فصاح بصاحب الدكّان قائلًا والله إنك لماهر لقد نفعت الحيلة مع الحصان، فرد عليه لكنني لست بأمهر من الذي أوهمك بأن هذا البغل حصانًا. وما أشبه تلك القرية بعالمنا اليوم، هذا العالم الذي يبيع الوهم على الشعوب المستضعفة ليبتز خيراتها ويشوه تاريخها ويمحي تراثها، هذا العالم الذي تقاسمته القوى العظمى وبدأت تفرض هيمنتها عليه بالقوة العسكرية تارة عبر افتعال الأزمات واختلاق المبررات، وبالقوى الناعمة الخبيثة تارة أخرى عبر المنظمات الإعلامية وتلك التي تدعي العدالة والشفافية والإنسانية والإصلاح. وهكذا هي الحياة، عندما يغيب الضمير تنشط تجارة الوهم وتستغل حاجات الناس فيباع عليها الوهم مرات ومرات، يستضعفون بالوهم، ويبتزون بالوهم، وتقيد حرياتهم بالوهم، يوهمنا الإعلام الكاذب بضعفنا، ويوهمنا أيضًا بقوة عدونا، يثبط العزوم ويثلم الهمم، يضخم الباطل ويحتقر الحق ويزور الواقع حتى يصبح البغل حصانًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.