18 سبتمبر 2025

تسجيل

التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار في الاقتصاد الحديث

31 يوليو 2023

خلال عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19 في الفترة ما بين عامي 2020-2021، تمكن الأفراد الذين حافظوا على عملهم من زيادة مدخراتهم، وكان هذا هو اتجاه "المدخر العرضي" ‘Accidental Saver’. فقد مُنعت الإجازات الخارجية واختفى الإقبال على تناول الوجبات في المطاعم وغيرها من وسائل الترفيه أو تقلصت. بالإضافة إلى ذلك، كان بعض الناس غير متأكدين من مستقبلهم الوظيفي، لذلك كانوا يميلون إلى الادخار بدلاً من الإنفاق. ومنذ انتهاء الجائحة، زاد الإنفاق بشكل طبيعي، وفي حالة قطر، قدمت بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا- قطر 2022 حافزًا اقتصاديًا إضافيًا. وفي ضوء ذلك، ونظرًا لأن الأجور لم ترتفع بشكل كبير، ربما توقع البعض أن ينخفض معدل الادخار، ولكنه سجل ارتفاعًا ملحوظًا بدلاً من ذلك. وقطر من الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث يميل أغلب السكان إلى الاحتفاظ بقدر منخفض من الأوراق النقدية وإيداع أموالهم في البنوك، لذا فإن الودائع المصرفية تمثل مقياسًا موثوقًا لمعدل الادخار النقدي، هذا لا يأخذ في الحسبان التحويلات الخارجية للادخار، أو الاستثمارات في الأسهم والعقارات. وتُظهر البيانات الصادرة عن شهر مايو 2023 أن إجمالي المدخرات الشخصية في الحسابات المصرفية في البنوك قد ارتفع إلى أكثر من 237 مليار ريال قطري، مما يزيد قليلاً على 220 مليار ريال قطري (7.7%) قبل عامين، أي خلال فترة الجائحة. وكان الارتفاع ثابتًا بشكل ملحوظ، مع ارتفاع المدخرات الإجمالية باستمرار في الفترة من 2018-2023، ومنها قدر كبير من المدخرات بالعملات الأجنبية يبلغ حوالي 21 مليار ريال قطري، أو 5.7 مليار دولار. ولحسن الحظ، لا تعكس هذه الأرقام الانخفاض في الإنفاق الاستهلاكي خلال الفترة نفسها، على الرغم من أن هذا الأمر يثير تساؤلات حول التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار. وأفاد أحدث تقرير سنوي صادر عن معهد ماستركارد للاقتصاد عن الإنفاق الاستهلاكي نُشر في شهر ديسمبر 2022 أن الإنفاق الاستهلاكي قد ارتفع في قطر. ومن المثير للاهتمام أن هذا الإنفاق قد زاد بنفس القدر تقريبًا لدى الأسر ذات الدخل المنخفض والأفراد الأثرياء، مخالفًا بذلك للاتجاه الدولي. وربما يعكس ذلك تأثير بطولة كأس العالم التي استضافتها قطر خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2022، ولكن هناك مؤشرات على أن الإنفاق والنشاط الاقتصادي لم ينخفضا وأنهما شهدا مرحلة من الهدوء الطبيعي بعد انتهاء البطولة. ومن بين أكثر الإحصائيات المشجعة أن السياحة حافظت على نموها في عام 2023، حيث أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء أن هناك أكثر من 285 ألف زائر قدموا إلى البلاد في شهر مايو 2023، بزيادة نسبتها 72٪ مقارنة بالأرقام المسجلة خلال العام السابق. وشكل الزوار القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى 37٪ من إجمالي الزائرين. وقد حددت استراتيجية الحكومة السياحة واقتصاد المعرفة باعتبارهما قطاعات مستهدفة للنمو في إطار الجهود الرامية لتنويع الموارد الاقتصادية. وتعزز الزيادة في معدل الادخار إمكانية الاستثمار في هذه المجالات، ولكن الناس يميلون إلى الاحتفاظ بأموالهم في حسابات توفير منخفضة المخاطر، بدلاً من الإنفاق أو الاستثمار. وهناك حاجة لتحقيق التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار وتشجيع الاستثمار. ولا توجد بيانات كافية حول أنماط الادخار للعمال الوافدين الذين يشكلون غالبية سكان قطر. ولا مفر من تحويل نسبة كبيرة من دخل الوافدين إلى عائلاتهم، لا سيَّما بالنسبة للأشخاص الذين ينحدرون من مناطق منخفضة الدخل، ولكن قد تكون هناك طرق لتشجيعهم على الإنفاق والادخار بشكل أكبر في الاقتصاد المحلي. ومن بين المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العام الماضي خطة معاشات تقاعدية مفتوحة للجميع، ولكنها تستهدف الوافدين بشكل خاص. وتدير شركة الصكوك الوطنية، وهي شركة للادخار والاستثمار أنشأتها مؤسسة دبي للاستثمار، برنامج التقاعد الذهبي. ويمكن للشركات تسجيل موظفيها في خطط التقاعد التي تقدمها هذه الشركة. ويصدر البرنامج صكوكًا في شكل سندات ادخار متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يمكن للأفراد زيادتها عبر مساهماتهم الشهرية. ويُعدُ هذا البرنامج مكملاً لنظام مكافأة نهاية الخدمة المطبق منذ فترة طويلة على الوافدين في دول الخليج، الذي يقدم لهم مبلغًا مقطوعًا في نهاية فترة خدمتهم. ويتميز برنامج معاشات التقاعد للوافدين بقدرته على الاحتفاظ بمزيد من الثروة داخل الاقتصاد المحلي، وتعزيز رؤوس الأموال المستخدمة في الاستثمارات. ولا يمثل معدل الادخار المتزايد، في حد ذاته، تطورًا إيجابيًا أو سلبيًا لأي اقتصاد، فالأهم من ذلك هو التشجيع على تبني ديناميكية صحية بحيث تدعم أنماط الإنفاق والادخار والاستثمار تنمية اقتصاد متنوع الموارد.