10 سبتمبر 2025
تسجيلتحول ارتفاع التضخم إلى مشكلة في الآونة الأخيرة. ففي عام 2022، توصل استطلاع دوري للرأي جرى في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن التضخم بات أهم قضية اقتصادية تواجه البلاد لأول مرة منذ أوائل الثمانينيات. وفي ذلك الوقت، قدَّم بول فولكر، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الفترة من 1980 إلى 1987، فكرة رفع أسعار الفائدة بنسبة مرتفعة للغاية للحد من المشكلة، وهو ما أدى إلى توجيه انتقادات سياسية قوية لهذه الفكرة واندلاع احتجاجات عارمة ضدها. وبلغ التضخم ذروته عند مستوى 14.8 % في عام 1980. وبموجب سياسته، ارتفعت أسعار الفائدة الفيدرالية إلى مستوى استثنائي بلغ 21 %، لكن التضخم انخفض بالفعل ليصل إلى 3 % بحلول عام 1983، وبعد ذلك انخفضت أسعار الفائدة. ورأى فولكر أن التضخم ليس أمرًا غير مرغوب فيه فحسب، بل إنه خطير أيضًا. فإذا كانت مستويات الزيادة في الأجور أقل من معدل التضخم، فإن مستويات المعيشة تتآكل باستمرار، وإذا ارتفعت لأعلى من ذلك، فقد تضطر الشركات إلى نقل التكاليف إلى العملاء، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى ارتفاع التضخم بشكل أكبر في دوامة تصاعدية. ويمكن للمدافعين عن فولكر أن يجادلوا بأن سياسته، التي أصبحت تعرف باسم «صدمة فولكر»، كانت متطرفة ولكنها فعالة. وقد سادت فترة طويلة من النمو الاقتصادي مع انخفاض التضخم في أعقاب فترتين من الركود الحاد والقصير. ولكن تأثير الانكماش الاقتصادي كان شديدًا وارتفعت معه معدلات البطالة. وفي العقود الأخيرة، أصبح من المعتاد أن تحدد البنوك المركزية هدفًا رسميًا لمعدل التضخم، عند مستوى 2 % في العادة، وأن تستخدم أسعار الفائدة باعتبارها أداةً في السياسة النقدية. وإذا كان بول فولكر من صقور التضخم، فإن خليفته ألان جرينسبان كان أكثر حمائمية في فترة ولايته الطويلة من عام 1987 إلى عام 2006. وقد ساهمت أسعار الفائدة المنخفضة التي سادت في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في ظهور فقاعة الإنترنت خلال عام 2000، بالإضافة إلى الأزمة المصرفية في عام 2008، على الرغم من وجود عوامل أخرى. ويسعى رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الحالي جاي باول إلى تنفيذ عملية رفع أسعار الفائدة دون التسبب في الركود. ويشكل الوصف التقليدي للسبب الرئيسي للتضخم، أي الحاجة لدفع مبالغ طائلة مقابلاً لشراء عدد محدود جدًا من السلع، ملاحظةً مهمة. حيث إن الانكماش يمثل مشاكل أيضًا. وفي اليابان، أعقب انفجار فقاعة أسعار الأصول في أواخر الثمانينيات أزمة مصرفية وزيادة في مديونية الشركات. واختارت الشركات سداد الديون، وهو ما كان يعني انخفاض قيمة الاقتراض والاستثمار، مما أدى إلى انخفاض أسعار الأصول وأسعار التجزئة والأجور في دورة انكماشية استمرت لمدة قاربت الثلاثين عامًا خلال الفترة من 1990-2020. وفي قطر، لم يشكل التضخم مشكلة كبيرة. فقد بلغ معدل التضخم ذروته في عام 2008 حيث وصل إلى نسبة 15%، قبل أن يهبط إلى المنطقة السلبية خلال عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية. وكانت هناك زيادة أكثر تواضعًا في عام 2022، وهو العام الذي شهد استضافة البلاد لمنافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، ولكنها انخفضت منذ ذلك الحين. وكان مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في نطاق 4-5٪ خلال معظم عام 2022، ولكنه ظل عند مستوى أقل من 4٪ خلال عام 2023. وعند قياس التضخم، تجمع كل دولة سلةً من السلع والخدمات التي تُقاس التغيرات في أسعارها. وبشكل دوري، تحتاج هذه السلة إلى تحديث لإزالة العناصر الاستهلاكية التي أصبحت قديمة مثلاً. وليس من المفيد إجراء الكثير من التغييرات بشكل متكرر لأن المقارنات لن تكون متشابهة. وفي قطر، تم تعديل صيغة مؤشر أسعار المستهلك خلال الفترة 2013-2018، ولكن مع إجراء تعديلات طفيفة فقط على الفئات الرئيسية. وقد ارتفع الوزن النسبي لتكلفة الأغذية والمشروبات من 12.58 % إلى 13.45 %، أما بالنسبة للسكن فقد انخفض قليلاً من 21.89 % إلى 21.17 %، بينما تغير الوزن النسبي لتكلفة خدمات الترفيه والثقافة من 12.68% إلى 11.1%. وتؤكد التجارب الأخيرة أن تحديد معدل التضخم المستهدف عند مستوى 2 % هو معدل منطقي، لأنه ينسجم مع النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات المعيشة. ولكن في اقتصاد العولمة هناك العديد من العوامل التي تجعل تحقيق هذا المعدل الأمثل يمثل تحديًا دائمًا.