18 سبتمبر 2025
تسجيليبدو واضحاً أن أزمة الثقافة في قطر لها خصوصية غير تلك المتعلقة بتراجع قراءة الصحف الورقية بشكل عام على مستوى العالم أو على الأقل على مستوى المنطقة بعد اجتياح وسائل الاتصال الاجتماعي الزمان واحتلال المكان. فالأزمة كما يبدو هيكلية أو بنيوية وليست مقصورة فقط على المستوى اللوجستي الظاهر بل هي أعمق من ذلك، الآن تعاني صحافتنا من ثلاثة أمور: الأول العنصر البشري المواطن، ثانياً القارئ النوعي، ثالثاً مجتمع خال من الاتجاهات وعلى قدر من التسطيح فيما يتعلق بها. فيما يتعلق بالأمر الأول ندرة العنصر المواطن يمكن التعامل معه على المدى البعيد بالاستعانة كما قائم بالعنصر العربي الأكثر خبرة في هذا المجال وجرى التوجه على الاعتماد على خريجي قسم الإعلام في الجامعة للالتحاق بالصحف، وهذا في اعتقادي ليس حلاً، حيث الصحافة رغبة وموهبة بالدرجة الأولى في حين أن معظم من يلتحق بقسم الإعلام في الجامعة هدفه التخرج وامتلاك الشهادة والبحث عن وظيفة في معظمها بعيداً عن الصحافة، حيث اشتهر تخصص الإعلام بسهولته عن غيره من التخصصات، في حين أن معضلة منصب رئيس التحرير تبدو أنها محكمة بعملية التدوير، وحيث إن معظم رؤساء التحرير يأتون من خلفية ثقافية واحدة إما رياضية أو وظيفية «موظفي حكومة سابقين» نجد ميزة كل رئيس عن آخر تأتي في قدرة علاقاته الاتصالية بالمجتمع وليس على قدر ما يحمله من اتجاه فكري أو ثقافي. أما ما يتعلق بالعنصر الثاني: القراءة فدعونا نفرق بين القارئ بشكل عام وقارئ الصحف بشكل خاص، بالنسبة للقارئ العام أوجدنا معارض للكتب سنوية، إلا أننا لاحظنا أن ظاهرة تأليف الكتب فاقت وزادت على مستوى القراءة، ورأينا حفلات توقيع الكتب طغت في حين أن دور النشر تشكو قلة المرتادين، لست ضد ذلك لكن لم يلمس المجتمع قيمة مضافة لتأليف كل هذا الكم من الكتب، لا أستزيد هنا يبقى قارئ الصحف وهو قارئ توعي لا تستطيع أن توجد محللين ومناقشين دون وجود لأعمدة رأي وتحليل وزوايا نقاش في الصحف إذا لم تحقق الصحيفة قارئاً نوعياً لها فهي صحيفة حائط لا أكثر. يبقى الأمر الثالث والمهم وهو: مجتمع بلا اتجاهات وهذا سبب كبير في تخلف الصحافة وندرة الصحفيين وعزوف الناس عن القراءة، كنا في الثمانينيات والتسعينيات نشهد حراكاً صحفياً واضحاً ونقاشات ومقالات وردوداً واختلافات في الطرح كل ذلك اختفى اليوم وخلا المجتمع من الاتجاهات، فالقضية قضية معنى لا قضية مبنى، اليوم هناك من يفكر بإعادة إصدار بعض الصحف التي أقفلت ورقياً ومنها جريدة الحياة اللندنية وغيرها. مجتمعاتنا تحتاج إلى الصحافة الورقية، لا تزال تحتاج إلى إثراء واقعها بتعدد الاتجاهات واختلاف الآراء، لعل المجتمعات الأخرى تعدت هذا المرحلة وأصبحت الاتجاهات فيها أفقية يمارسها المجتمع بالسليقة لكن في مجتمعاتنا لا يزال الأمر غير ذلك البتة.