17 سبتمبر 2025

تسجيل

(شتقصد)

31 يوليو 2022

كلمة في اللهجة المحلية مكونة من خمسة أحرف، وهي اختصار لسؤال الاستفهام ماذا تقصد؟ أو ما هو قصدك؟ أو إلى ماذا تشير بقولك هذا؟ إلخ...، وفي حقيقة الأمر هذه الكلمة المختصرة في اللفظ والعميقة في المعنى قد يكون وراءها أكثر من دلالة مجازية لسؤال الاستفهام، وقد تتفاوت بين التهكم والتعجب والاستيضاح أو حتى التقرير لفعل ما. ولست بصدد الغور في علوم النحو والصرف والإعراب وأصول اللغة، والتي كما ذكرت مراراً وتكراراً أنني للأسف لست طالباً نجيبا في علومها، وأنما أردت أن تكون مدخلاً لموضوع مقال هذا الأسبوع، والذي هو امتداد لمقالي الأسبوعين الماضيين عن "سعادة الوزير بوراشد". فبعد نشر قصة الوزير بوراشد، والتي أوضحت أكثر من مرة أنها مجرد قصة قصيرة خيالية لا تمت للواقع بصلة، إلا أن هذا لم يقنع القراء والمتابعين الأعزاء، والذين انهالت عليّ استفساراتهم وأسئلتهم التي تدور جميعها حول محور "شتقصد" أو "شنهو قصدك" أو "من تقصد" وبأساليب استفهامية أخرى مختلفة، ولقد سعدت لتجاوب القراء الأعزاء مع المقالين، وسررت أكثر لمحاولتهم تحليل واستنتاج ما خفي بين السطور بالنسبة لهم إن كان هناك أصلاً ما بين الصدور خافٍ أو متخفٍ أو "منخش" (كلمة محلية معناها متخفي). ولا أخفي عليك سراً عزيزي القارئ إن قلت لك إنني ضحكت كثيراً على بعض التحليلات للمقال، فهناك من قال إنني أقصد شخصاً أو حدثاً بعينه، وآخر وصل لنتيجة أن المقال له أبعاد سياسية خفية "الله يكفينا شر السياسة" فيها نوع من الكوميديا السوداء وجلد للذات بأسلوب ساخر، وهناك من أثنى على الحبكة الدرامية للمقال ونصحني بالتوجه لكتابة القصة القصيرة أو العمل في كتابة المسلسلات التلفزيونية والإذاعية أو حتى تقديم نصوص مسرحية، وهناك من ربط المقال بالأزمات العالمية والحرب الروسية الأوكرانية ومشكلة انقراض "الحمس (السلحفاء)" من على شاطئ رأس بوقميص. وللقارئ العزيز الحرية التامة والمطلقة في التفسير والاستنتاج بما يشاء، ولكن دون الجزم أو التأكيد القطعي لقصد الكاتب، ففي هذا ظلم عظيم، فالنوايا لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه﴾ الآية 65 سورة النمل. وبعيداً عن جميع هذه التحليلات والاستنتاجات التي تعكس مدى تأثر القارئ مع فكرة ومحتوى المقال، أرى أنه من الواجب عليّ إيضاح أمر مهم للسادة القراء الأعزاء، وهو أن الكاتب جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي يعيش فيه، وأن ما يقدمه هو انعكاس أو ردة فعل طبيعية لما يدور حوله من أحداث في عالمه الصغير وهو بيئته الداخلية في محيط عائلته وأصدقائه وزملائه، ومن ثم عالمه الكبير وهو مجتمعه وانتماؤه وهويته وما يتعدى ذلك إلى العالم الكبير، فليس سراً أن تكون لجميع هذه الدوائر المحيطة بالكاتب تأثير من نوع ما على ما يطرح أو يكتب أو يقدم للقارئ. ومن ناحية أخرى ليس من الضروري أن كل ما ينشره الكاتب وراءه أهداف خفية أو إشارات سرية أو تلميحات مبطنة أو دلائل مستترة، فقد يقدم الكاتب فكرة على شكل قصة أو حدوتة كما يسميها البعض إما بقصد التسلية والترفيه أو بهدف النصيحة والعظة، وفي هذه الحالة يمكن أن يقدم الكاتب وجهة نظره بصور مختلفة تضمن وصول الفكرة والهدف بعيداً عن التشهير والتجريح والمخاطبة المباشرة التي في وجهة نظري قد تضر أكثر مما تنفع. وختاماً أقول: عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم.